الْإِبِلِ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ يَزِيدُ عَشْرًا عَشْرًا، وَالْقُرْعَةُ تَخْرُجُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَتْ الْإِبِلُ مِائَةً، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَحَرَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَرَى عَلَيْك مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَخْرُج بِهِ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ أَنْ يَشْتَهِرَ قَوْلُ بَعْضُ الْكِبَارِ مِنْهُمْ، وَلَا يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ قَدْ اُشْتُهِرَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ أَخْطَأَ الْفُتْيَا لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَ مَرْوَانَ لَا يُعَارِضُ قَوْلَ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ، وَلَكِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَائِهِمْ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ، يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ إلَّا عَلَى السَّمَاعِ مِمَّنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، ثُمَّ أَخَذْنَا بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ فِي إيجَابِ الشَّاةِ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَدَنَةً أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ؛ أَوْ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الشَّاةَ فَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَمَنْ أَوْجَبَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْأَخْذُ بِفِعْلِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِفِعْلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال الْفِقْهِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الشَّاةَ مَحَلٌّ لِوُجُوبِ ذَبْحِهَا بِإِيجَابِ ذَبْحٍ مُضَافٍ إلَى الْوَلَدِ، فَكَانَ إضَافَةُ النَّذْرِ بِالذَّبْحِ إلَى الْوَلَدِ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الشَّاةِ، فَيَكُونُ مَلْزَمَةً.
وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخَلِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَدَهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُ {: إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: ١٠٢] أَيْ أُمِرْتُ بِذَبْحِك، بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَهُ قَالَ فِي الْجَوَابِ {: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢]؛ وَلِأَنَّهُمَا اعْتَقَدَا الْأَمْرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ حَيْثُ اشْتَغَلَا بِهِ فَأُقِرَّا عَلَيْهِ، وَتَقْرِيرُ الرُّسُلِ عَلَى الْخَطَأِ لَا يَجُوزُ، خُصُوصًا فِيمَا لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ فِيهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ مِنْ إرَاقَةِ دَمِ نَبِيٍّ، ثُمَّ وَجَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ ذَبْحُ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: ١٠٤] {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] أَيْ حَقَقْتَ، وَإِنَّمَا حُقِّقَ ذَبْحُ الشَّاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُصَدِّقًا رُؤْيَاهُ قَبْلَ ذَبْحِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، مَعْنَاهُ وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إبْرَاهِيمُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْلَ ذَبْحِ الشَّاةِ إنَّمَا أَتَى بِمُقَدَّمَاتِ ذَبْحِ الْوَلَدِ مِنْ تَلِّهِ لِلْجَبِينِ وَإِمْرَارِهِ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، وَبِهِ لَمْ يَحْصُلْ الِامْتِثَالُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَبْحٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الِامْتِثَالُ بِهِ لَمْ تَكُنْ الشَّاةُ فِدَاءً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: وُجُوبُ الشَّاةِ بِأَمْرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ أَمْرٍ آخَرَ بِالرَّأْيِ غَيْرُ مُمَكَّنٍ؛ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فِدَاءً. وَاَللَّهُ تَعَالَى سَمَّى الشَّاةَ فِدَاءً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute