عَلَى أَنَّهُ دَفَعَ مَكْرُوهَ الذَّبْحِ عَنْ الْوَلَدِ بِالشَّاةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: وَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْوَلَدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِمُقَدِّمَاتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الشَّاةُ فِدَاءً عَنْ وَلَدٍ وَجَبَ ذَبْحُهُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي النَّذْرِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحَ الْوَلَدِ حَتَّى جُعِلَتْ الشَّاةُ فِدَاءً، إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَأَدَّى بِالْفِدَاءِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ فِي يَدِهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْصُومًا عَنْ الذَّبْحِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ الْعِصْمَةُ حِسًّا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ الشَّفْرَةَ كَانَتْ تَنْبُو وَتَنْفُلُ وَلَا تَقْطَعُ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَعْصُومًا عَنْ الذَّبْحِ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ وَاجِبَ الذَّبْحِ مُنَافَاةٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَا وَجَبَ ذَبْحُ الْوَلَدِ بَلْ أُضِيفَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَنْحَلَّ الْوُجُوبُ بِالشَّاةِ.
وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ الِابْتِلَاءُ فِي حَقِّ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِاسْتِسْلَامِ وَإِظْهَارِ الطَّاعَةِ فِيمَا لَا يَضْطَلِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَلِلْوَلَدِ بِالِانْقِيَادِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُجَاهَدَةِ بَذْلِ الرُّوحِ إلَى مُكَاشَفَةِ الْحَالِ؛ وَلِيَكُونَ لَهُ ثَوَابُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَانَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ» وَمَا ذُبِحَا بَلْ أُضِيفَ إلَيْهِمَا، ثُمَّ فُدِيَا بِالْقِرَابَيْنِ، وَلَا يُقَالُ: قَدْ وَجَبَ ذَبْحُ الْوَلَدِ، ثُمَّ تَحَوُّلَ وُجُوبُ ذَبْحِ الْوَلَدِ إلَى الشَّاةِ بِانْتِسَاخِ الْمَحَلِّيَّةِ فَتَكُونُ الشَّاةُ وَاجِبَةً بِذَلِكَ الْأَمْرِ كَالدَّيْنِ يُحَالُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، فَيَفْرُغُ الْمَحَلُّ الْأَوَّلُ مِنْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا فِي الْمَحَلِّ الثَّانِي بِذَلِكَ السَّبَبِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ لَهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَحَوَّلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ يَبْقَى الْمَحَلُّ الْأَوَّلُ صَالِحًا لِمِثْلِهِ كَالدَّيْنِ إذَا حُوِّلَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَلَمْ يَبْقَ الْوَلَدُ مَحَلًّا صَالِحًا لِذَبْحٍ هُوَ قُرْبَانٌ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا، وَأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِيجَابِ حَلَّ بِالشَّاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلَدِ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً. نَظِيرُهُ مِنْ الْحَيَاةِ أَنْ يَرْمِيَ إلَى إنْسَانٍ فَيَفْدِيَهُ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لِيَنْفُذَ السَّهْمُ فِيهِ، لَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ، وَيَقُولُ لِغَيْرِهِ: فَدَتْك نَفْسٌ عَنْ الْمَكَارِهِ. وَالْمُرَادُ هَذَا وَمِنْ الشَّرْعِيَّاتِ الْخُفِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الرِّجْلِ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْحَدَثِ، لَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الْخُفِّ مَا حَلَّ بِالرِّجْلِ مِنْ الْحَدَثِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ وَجَبَ ذَبْحُ الْوَلَدِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْفِدَاءُ لَا لِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا صَارَ مُحَقِّقًا رُؤْيَاهُ بِالْفِدَاءِ وَفِي مِثْلِ هَذَا إيجَابُ الْأَصْلِ فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ يَكُونُ إيجَابًا لِلْفِدَاءِ، كَالشَّيْخِ الْفَانِي إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ شَرْعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْفِدَاءُ لَا لِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ نَذَرَ الذَّبْحَ لِأَوَّلِ وَلَدٍ يُولَدُ لَهُ، ثُمَّ نَسِيَ ذَلِكَ فَذُكِّرَ فِي الْمَنَامِ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ نَصٌّ؛ لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ نَاسِخُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute