خُصُوصًا شَرِيعَةُ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَ {اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣].
فَأَمَّا إذَا نَذَرَ بِذَبْحِ عَبْدِهِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذَ فِيهِ بِالِاسْتِحْسَانِ أَيْضًا، وَقَالَ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَسْبُهُ وَمِلْكُهُ، فَإِذَا صَحَّ إضَافَةُ النَّذْرِ إلَى الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ كَسْبًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ فَلَأَنْ يَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَى كَسْبِهِ، وَهُوَ مِلْكُهُ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فَقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الشَّاةِ فِدَاءً عَنْ الْوَلَدِ لِكَرَامَةِ الْوَلَدِ، وَالْعَبْدُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ لَيْسَ بِنَظِيرِ الْوَلَدِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنَ ابْنِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَيْسَ نَظِيرَ الِابْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ كَالِابْنِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْكَرَامَةِ كَالِابْنِ فِي حَقِّهِ. وَإِنْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا كَالْأَجَانِبِ فِي حَقِّهِ فِي حُكْمِ النَّذْرِ بِالذَّبْحِ، وَفِي الْهَارُونِيَّاتِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الشَّاةِ، وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالطَّرَفِ الْآخَرَ، ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي الْمَنَاسِكِ بَيْنَ النَّذْرِ بِالْهَدْيِ وَالْبَدَنَةِ وَالْجَزُورِ.
وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»؛ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِحَقِّ اللَّهِ وَالْحَلِفُ فِي مِثْلِهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ سَاتِرَةً لِلذَّنْبِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِالنَّذْرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةُ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ الْوَاجِبِ بِالْيَمِينِ، أَوْ الْوَفَاءِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَخَلَ عَلَى الشَّعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ مَعْصِيَةٌ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَلَيْسَ أَنَّ الظِّهَارَ مَعْصِيَةٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْكَفَّارَةِ فِيهِ فَتَحَيَّرَ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ أَنْتَ مِنْ الْآرَائِيِّينَ، وَفِي الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ، وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَأَدْنَى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ الصِّيَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ إذَا نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ اعْتِبَارًا لِمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute