للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي الْمَنَاسِكِ.

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ فَيَقُولُ: وَأَبِيك وَأَبِي فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ الْحَلِفِ بِجَدٍّ مِنْ جُدُودِهِ، وَمِنْ الْحَلِفِ بِالطَّوَاغِيتِ وَفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ: (أَحَدُهُمَا) حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «تَبِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ، وَأَنَا أَحْلِفُ بِأَبِي فَقَالَ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ، فَمَا حَلَفْت بَعْدَ ذَلِكَ لَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا»، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَعَالَ أُفَاخِرْك فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ».

وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ، وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِهِ حُكْمُ الْكَلَامُ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {: سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: ٦٩] وَلَمْ يَصْبِرْ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْوَعْدُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثَنَيَاهُ». وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ وَمَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤]، يَعْنِي إذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الزَّوْجِ الثَّانِي بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَفْصُولُ صَحِيحًا لَكَانَ الْمُطَلِّقُ يَسْتَثْنِي إذَا نَدِمَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُحَلِّلِ، وَفِي تَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ مَفْصُولًا إخْرَاجُ الْعُقُودِ كُلِّهَا مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْأَنْكِحَةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزَمَةً. (قَالَ): وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حِينَ عَاتَبَهُ الْخَلِيفَةُ فَقَالَ أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِكَ أَنْ تُخَالِفَ جَدِّي؟ قَالَ: فَفِيمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَفْصُولِ. قَالَ: إنَّمَا خَالَفْته مُرَاعَاةً لِعُهُودِكَ، فَإِذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَفْصُولُ فَبَارَكَ اللَّهُ فِي عُهُودِكَ إذَنْ، فَإِنَّهُمْ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَيَسْتَثْنُونَ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِمْ لُزُومُ طَاعَتِك، فَنَدِمَ الْخَلِيفَةُ وَقَالَ: اُسْتُرْ هَذَا عَلَيَّ. وَتَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤]، أَيْ إذَا لَمْ تَذْكُرْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ فِي آخَرِ كَلَامُك مَوْصُولًا بِكَلَامِكَ، ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ مُبْطِلٌ لِلْكَلَامِ، وَمَخْرَجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>