أَيْمَانِ الْجَامِعِ.
وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ، إنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ؛ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ بِأَوْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ عِنْدَنَا، وَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُطْلَقٌ فِي قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] وَلَكِنَّا نَشْتَرِطُ صِفَةَ التَّتَابُعِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَدْ وَرَدَ هُنَاكَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ». وَالثَّانِي قَوْلُهُ: «أَدُّوا مِنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ حَتَّى أَوْجَبْنَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ هُنَاكَ فِي السَّبَبِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ فَالتَّقْيِيدُ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرَ بِنَاءً عَلَى أَصْلنَا أَنْ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُنَا الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَبَيْنَ التَّتَابُعِ وَالتَّفْرِيقِ مُنَافَاةٌ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ صِفَةِ التَّتَابُعِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ لَا يَبْقَى مُطْلَقًا.
(قَالَ): وَيَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مِنْ الرِّقَابِ مَا يُجْزِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الرَّقَبَةِ مِثْلُ الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الرَّقَبَةِ، سَوَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الظِّهَارِ.
رَجُلٌ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ، فَذَلِكَ لَا يُجْزِي عَنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَيَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِالْعِتْقِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ وَالْوَاجِبُ هُوَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ، أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الرَّقَبَةِ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ، وَلَوْ جَوَّزْنَا هَذَا كَانَ نَوْعًا رَابِعًا فِيمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِثْبَاتُ مِثْلِهِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ بُرٍّ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ لِمَعْنَى حُصُولِ كِفَايَةِ الْمِسْكِينِ بِهِ فِي يَوْمِهِ، وَفِي ذَلِكَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَدَاءِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَمِنْ نَوْعَيْنِ، وَهُنَا الرَّقَبَةُ فِي التَّحْرِيرِ وَعَشَرَةُ مَسَاكِينَ فِي الْإِطْعَامِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ إخْلَالًا بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَإِنْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَأَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى أَيْسَرَ لَمْ يُجْزِهِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، إذَا صَامَ الْمُكَفِّرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْيَوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute