كَانَ مَوْجُودًا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْإِجْزَاءِ، فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ وَكَفَّارَةُ الْمَمْلُوكِ بِالصَّوْمِ مَا لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ أَعْسَرُ مِنْ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ، وَلَا يُجْزِي أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ يُطْعِمَ، وَيَكْسُوَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْلِكَهُ حَتَّى يَتَسَرَّى بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحُرِّ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ هُوَ مُتَمَلِّكًا بِأَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ قَابِضًا لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الْمُنَافِيَ فِيهِ مَوْجُودٌ، وَبَيْنَ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ مَالًا وَالْمَمْلُوكِيَّة مَالًا مُغَايِرَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُنَافَاةِ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ، وَالْمُسْتَسْعَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ.
وَإِنْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مَا يُعْتِقُ، فَعَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ جَوَازِ الْبَدَلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ يَوْمِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا وَالصَّوْمُ الْمَظْنُونُ سَوَاءٌ.
ذِمِّيٌّ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْحَظْرُ أَوْ الْإِيجَابُ، وَالذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٣] فَقَدْ جَعَلَ لِلْكَافِرِينَ يَمِينًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي الْمَظَالِمِ وَالْخُصُومَاتِ بِاَللَّهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ إنْ حَنِثَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَفَّرَ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ، وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالتَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَإِنْ حَنِثَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَالَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِلْكَفَّارَةِ، وَأَنَّ فِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الطُّهْرَةِ كَالْحُدُودِ، فَإِنَّهَا كَفَّارَاتٌ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا ثُمَّ تُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّائِبِ تَطَهُّرًا وَعَلَى الْكَافِرِ عُقُوبَةً».
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمُنْقِرِيُّ حَيْثُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي حَلَفْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ قَالَ: نَذَرْتَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ فِي الشِّرْكِ»؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَارِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحِنْثِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ هَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِصْرَارِهِ عَلَى الشِّرْكِ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute