للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَبِيًّا يَعْقِلُ وَيَتَكَلَّمُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ هَذَا خِدَاعٌ لَا سَرِقَةٌ، وَلِأَنَّ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ تَقْرِيرِ يَدِ السَّارِقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَتَكَلَّمُ قُطِعَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَقْطَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْ جِنْسِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَا تَتَبَدَّلُ بِالرِّقِّ، وَإِذَا كَانَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ جِنْسِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَلِأَنَّ إحْرَازَهُ لَمْ يَتِمَّ، فَإِنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يَخْرُجُ إلَى السِّكَّةِ، وَقَدْ يُوضَعُ فِي السِّكَّةِ وَيُتْرَكُ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا وَمَا لَا يَتِمُّ إحْرَازُهُ عَادَةً فَهُوَ تَافِهٌ فِي حُكْمِ الْقَطْعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَا يَدَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ وَالْكَارَّةِ يَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَالتَّافِهُ مَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْمَمَالِيكِ خُصُوصًا فِي الصِّغَارِ مِنْهُمْ

(قَالَ) فَإِنْ سَرَقَ شَاةً مِنْ مَرْعَاهَا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَرْكِهَا فِي الْمَرْعَى الرَّعْيُ دُونَ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ سَرَقَهَا مِنْ دَارٍ قُطِعَ؛ لِأَنَّهَا مُحْرَزَةٌ بِالدَّارِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ فَإِنْ كَانَتْ تَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى حَائِطٍ قَدْ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ يُغْلَقُ عَلَيْهَا وَمَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ فَكَسَرَ الْبَابَ وَدَخَلَ وَسَرَقَ مِنْهُ بَقَرَةً فَآوَاهَا أَوْ سَاقَهَا أَوْ رَكِبَهَا حَتَّى أَخْرَجَهَا قَالَ: يُقْطَعُ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ إذَا جَمَعَهَا الْمُرَاحُ فَفِيهَا الْقَطْعُ»، وَلِأَنَّهَا بِاللَّيْلِ تُجْمَعُ فِي الْمَرَاحِ لِلْإِحْرَازِ وَالْحِفْظِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ يَكُونُ حِرْزًا لِمَالٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ سَرَقَ ثِيَابَ الرَّاعِي مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ يُقْطَعُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَرَاحُ حِرْزٌ لِلدَّوَابِّ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إحْرَازِ كُلِّ مَالٍ مَا هُوَ الْمُعْتَادُ، وَمُعْتَادٌ إحْرَازُ الدَّوَابِّ بِالْمُرَاحِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَابُهُ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ خُرُوجَ الدَّوَابِّ، وَلَا يَمْنَعُ دُخُولَ النَّاسِ فِيهِ؟ فَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَالًا آخَرَ

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: بَيْضَاءُ وَقَالَ الْآخَرُ: سَوْدَاءُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تُقْبَلُ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ، فَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَشَابَهُ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فَهُمَا يَقُولَانِ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، كَمَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ أُنْثَى أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ بَعِيرًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْغَصْبِ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>