للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا أَسْلَمَ يَجِبُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: ٩٤].

وَرُوِيَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَقَتَلْتَ رَجُلًا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَنْ لَكَ بِلَا إلَهٍ إلَّا اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: إنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا، فَقَالَ: هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟، فَقَالَ: لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَتَبَيَّنُ لِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنَّمَا يُعَبِّرُ عَنْ قَلْبِهِ لِسَانُهُ» إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِجِنَايَتِهِ ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ تَوْبَتَهُ وَخُشُوعَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا يُقْتَلُ غِيلَةً، وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ فَإِذَا أَظْهَرَ كَلِمَةَ الشِّرْكِ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ.

وَقَتْلُ الْكَافِرِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ جَائِزٌ.

فَإِنْ أَبَى الْمُرْتَدُّ أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَالُهُ فَيْءٌ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»، وَالْمُرْتَدُّ كَافِرٌ فَلَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ كَالرَّقِيقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ مَنْ يُوَاقِفُهُ فِي الْمِلَّةِ، وَالْمُوَافَقَةُ فِي الْمِلَّةِ سَبَبُ التَّوْرِيثِ، وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْمِلَّةِ سَبَبُ الْحِرْمَانِ، فَلَمَّا لَمْ يَرِثْهُ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الْمِلَّةِ مَعَ وُجُودِ سَبَبِ التَّوْرِيثِ فَلَأَنْ لَا يَرِثُهُ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الْمِلَّةِ أَوْلَى، وَإِذَا انْتَفَى التَّوْرِيثُ عَنْ مَالِهِ فَهُوَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ هُوَ مَالٌ ضَائِعٌ فَمُصِيبُهُ بَيْتُ الْمَالِ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ يُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] وَالْمُرْتَدُّ هَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً اسْتَحَقَّ بِهَا نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا «، وَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ»، وَهُوَ كَانَ مُرْتَدًّا، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا فَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ بِكُفْرِهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: ١٣٧]، وَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مَالِكًا لِمَالِهِ فَإِذَا تَمَّ هَلَاكُهُ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ، وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ حَرْبًا، وَأَهْلُ الْحَرْبِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَوْتَى إلَّا أَنَّ تَمَامَ هَلَاكِهِ حَقِيقَةٌ بِالْقَتْلِ أَوْ الْمَوْتِ، فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ اسْتَنَدَ التَّوْرِيثُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ، وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>