للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ، فَأَمَّا الْغَصْبُ لَا يَأْذَنُ الشَّرْعُ فِيهِ، وَالْحُكْمُ يَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ حُكْمًا، وَلَكِنْ إنْ صَادَفَ الْفِعْلُ مَحِلًّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَإِنْ صَادَفَ مَحِلًّا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَمَنْ زَنَى بِرَتْقَاءَ، وَأَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ الْمُعَالَجَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَضَى شَهْوَتَهُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَدُّ فِعْلِ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، وَبِهِ فَارَقَ ضَمَانَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقٍ حُكْمِيٍّ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يُرَدُّ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْحُدُودِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ مَقَامَ الْإِشَارَةِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ، وَيَأْذَنُ فِيهِ الشَّرْعُ، وَكَذَلِكَ الْقَبْضُ فِي بَابِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ يَأْذَنُ فِيهِ فَيُصَارُ إلَى إيجَادِهِ بِطَرِيقِ التَّمَكُّنِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ إقَامَةِ الْفِعْلِ فِي الْمَالِكِ مَقَامَ الْفِعْلِ فِي الْمَالِ صَحِيحًا لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى حِفْظِ الْمَنْقُولِ بِالْيَدِ أَظْهَرُ مِنْهُ إلَى حِفْظِ الْعَقَارِ، وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِرِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَالَ بَلْ بِإِقَامَةِ الشَّرْطِ مَقَامَ السَّبَبِ لَمَّا تَعَذَّرَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ نَقْلُهُ فِي نَفْسِهِ، وَمُسَبِّبُهُ إذَا كَانَ لَا يُعْلَمُ، وَالْحَافِرُ أَوْجَدَ شَرْطَ الْوُقُوعِ بِإِزَالَةِ السِّكَّةِ، وَإِقَامَةُ الشَّرْطِ مَقَامَ السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَالْإِتْلَافُ بِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَحَقَّقُ، فَأَمَّا هُنَا الْفِعْلُ فِي الْمَالِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا سَبَبٍ، وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ تَفْوِيتُ الْيَدِ الثَّابِتَةِ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ مَعَ أَنَّ الْإِتْلَافَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْحَافِرِ بِالْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبِئْرِ يُقَامُ الْحَفْرُ مَقَامَهُ، وَهُنَا فِيمَا يَتَأَتَّى الْفِعْلُ حَقِيقَةً لَا يُقَامُ الْفِعْلُ فِي الْمَالِكِ مَقَامَ الْفِعْلِ فِي الْمَالِ.

وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا مَا قَالَهُ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ فَهَلَكَتْ الْأَمْتِعَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي جَوَابِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا فَقِيلَ: هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُنَا فِي الْمَنْقُولِ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ قَبْلَ النَّقْلِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. (ثُمَّ) الْعُذْرُ أَنَّ الْوَاهِبَ نَقَلَ يَدَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَيَدُ الْوَاهِبِ فِي الْأَمْتِعَةِ كَانَتْ مُفَوِّتَةً لِيَدِ الْمَالِكِ فَانْتَقَلَتْ بِصِفَتِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ.

(فَإِنْ قِيلَ:) أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَنْقُولًا وَخُلِّيَ بَيْنَهُ فَهَلَكَ قَبْلَ النَّقْلِ، ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِ.؟ (قُلْنَا:) لَا كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَالْيَدُ لِلْمُشْتَرِي، فَلَا يَجْعَلُ يَدَهُ كَيَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>