فِي الْعَقَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
(رَجُلٌ) غَصَبَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَأَجَّرَهُ، وَأَصَابَ مِنْ غَلَّتِهِ فَالْغَلَّةُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِعَقْدِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ، فَإِذًا هُوَ الَّذِي جَعَلَ مَنَافِعَ الْعَبْدِ بِعَقْدِهِ مَالًا فَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ.؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» فَحِينَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَهُوَ الَّذِي الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ بِالْعَقْدِ دُونَ الْمَالِكِ فَكَانَ الْأَجْرُ لَهُ دُونَ الْمَالِكِ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِتِلْكَ الْغَلَّةِ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.
(فَإِنْ قِيلَ:) الْقِيمَةُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَنْ قَضَى بِمَالِ الصَّدَقَةِ دَيْنَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ (قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنَّ التَّصَدُّقَ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ حَتْمًا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ إلَى الْمَالِكِ مَعَ الْعَبْدِ كَانَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ شَيْءٌ آخَرُ فَهُوَ بِمَا صَنَعَ يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَى الْمَالِكَ، ثُمَّ يَصِيرُ الْمَالِكُ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا يَقْبِضُهُ فَيَزُولُ الْخَبَثُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقَ بِعِوَضِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ بَاعَ الدَّابَّةَ وَأَخَذَ ثَمَنَهَا فَاسْتَهْلَكَهُ، وَمَاتَتْ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَ رَبُّ الدَّابَّةِ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ مِنْهُ، ثُمَّ لَا يَسْتَعِينُ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ فِي الْغَلَّةِ مَا كَانَ بِحَقِّ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَزُولُ بِالْوُصُولِ إلَى يَدِهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْخَبَثَ لِحَقِّ الْمَالِكِ فَيَزُولُ بِوُصُولِ الْغَلَّةِ إلَى يَدِهِ (قَالَ:) إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الثَّمَنَ، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَتَخْلِيصِ نَفْسِهِ عَنْ الْحَبْسِ، وَحَاجَتُهُ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْفُقَرَاءِ، فَإِذَا أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا يَوْمَ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِهْلَاكِهِ الثَّمَنَ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْغَلَّةَ مَكَانَ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ فَكَذَلِكَ فِي اسْتِهْلَاكِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِي هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّهِمْ فِي اللُّقَطَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ إنْ شَاءَ. (ثُمَّ) الْمُلْتَقِطُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ اللُّقَطَةَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ حُكْمُ هَذِهِ الْغَلَّةِ.
وَلَيْسَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute