للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ بِالِاتِّفَاقِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ هُنَا مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ لِوُجُوبِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهُ بِالْعَقْدِ كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَرِنُ بِالشَّيْءِ شَرْطُهُ وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ بَيْعٍ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ حُكْمَ الْعَقْدِ لَا شَرْطَهُ وَسَاعَاتُ الْمَجْلِسِ إنَّمَا تُجْعَلُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فِيمَا هُوَ شَرْطُ الْعَقْدِ فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ مَجْلِسُ الْعَقْدِ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَالْقَبْضُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ هُنَاكَ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ شَرْطُ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَالنُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِلتَّعْيِينِ وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِهَذَا شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِلتَّعَيُّنِ وَفِي بَابِ السَّلَمِ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِلتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنَّ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ السَّلَمُ فِيهِ مُؤَجَّلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ثُمَّ يَرُدُّ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ تَاجِرٍ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَعْرِفَةُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فَأَقَامَ الشَّرْعُ اسْمَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُقَامَ عَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ

وَالطَّرِيقَةُ (الثَّانِيَةُ) مَا عَلَّلَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ: لِأَنَّهُ حَاضِرٌ لَيْسَ لَهُ أَجَلٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ فَضْلٍ فِي الْمَالِيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَالتُّجَّارُ لَا يَفْصِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُقَابَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَأَمَّا الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَقَدْ اخْتَصَّا بِاسْمٍ شَرْعًا وَاخْتِصَاصُهُمَا بِاسْمٍ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبهِ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِهَذَا شَرَطْنَا ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالسَّلَمُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ فَشَرَطْنَا التَّعْجِيلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِمُقْتَضَى الِاسْمِ وَقَدْ يُؤْخَذُ حُكْمُ الْعَقْدِ مِنْ اسْمِهِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالنِّكَاحِ فَأَمَّا هَذَا الْبَيْعُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ فِي الِاسْمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ لَا وُجُوبَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدًا بِيَدٍ أَيْ عَيْنًا بِعَيْنٍ.

لِأَنَّ التَّعْيِينَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِالْيَدِ فَيَصْلُحُ ذِكْرُ الْيَدِ كِنَايَةً عَنْهُمَا وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْقَبْضُ لَقَالَ: مِنْ يَدٍ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>