للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَكِيلِ فَوْقَ مَا تَحَصَّلَ بِشِرَاءِ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ جُعِلَ هَذَا نَظِيرَ الْخَمْرِ فِي الْوَكَالَة فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِي شِرَاءِ ابْنِ الْبَائِعِ وَمَمْلُوكِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ كَافِرٌ فَاشْتَرَى خَمْرًا جَازَ شِرَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ فَاشْتَرَى خَمْرًا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْكِلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ عِنْدِي فِي إزَالَةِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمَنْعَ هُنَا لِأَجْلِ الْعَقْدِ لَا لِأَجْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَوْ كَانَ هِبَةً كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحًا وَكُلُّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا لَا يَجُوزُ مِنْهُ الشِّرَاءُ كَالْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَقٌّ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ؛ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فَأَمَّا الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَهُمَا حَقٌّ فِي الْعَقْدَيْنِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَمْرِ فَهُنَاكَ الْمَنْعُ لِانْعِدَامِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي الْخَمْرِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ خَاصَّةً، فَإِذَا كَانَ الْعَاقِدُ كَافِرًا صَحَّ الْعَقْدُ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْمِلْكِ أَوْ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ.

قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّقْدِ لَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِمُوَكِّلِ الْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ إنَّمَا بَاعَ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الشِّرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّقْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ.

قَالَ وَإِذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةٍ سَنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِنَسِيئَةٍ سَنَتَيْنِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَجَلِ تُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّةِ الثَّمَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْلَ الْأَجَلِ يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ أَنْقَصَ مِنْ الْحَالِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ رِبَا النَّسْإِ شَرْعًا فَكَذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ يَزْدَادُ النُّقْصَانُ فِي الْمَالِيَّةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي الثَّمَنِ الثَّانِي بِمُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ فَيَنْعَدِمُ النُّقْصَانُ بِهِ مَعْنًى، وَالْمُمْتَنِعُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ الشِّرَاءُ جَائِزًا.

قَالَ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِدَرَاهِمَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الطَّعَامِ يَدًا بِيَدٍ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ أَقَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ طَعَامُهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>