الثَّمَنَ دَيْنٌ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ أَيْضًا كَبَدَلِ الْعُرُوضِ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِالثَّمَنِ حَدِيثُ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ وَرُبَّمَا أَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ إنْ افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ».
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَحَطَّ عَنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَكِنْ يَرُدُّ مَا أَخَذَ وَالْمَالُ كُلُّهُ إلَى أَجَلِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجَوِّزُ ذَلِكَ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقَابَلَةُ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَمُقَابَلَةُ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ رِبًا، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لَوْ زَادَهُ فِي الْمَالِ لِيُؤَجِّلَهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِي الْمُؤَجَّلِ إذَا حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ لِيُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا أَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ فَقَالُوا إنَّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النَّاسِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الرِّبَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى إذَا صَالَحَ مَعَ مُكَاتَبِهِ مِنْ الْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ فَذَلِكَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَلَكَهُ وَلَا رِبًا بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَسَيِّدِهِ فَمَا فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا لَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالسَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَقْصِدُ بِالْكِتَابَةِ الرِّفْقَ بِالْمُكَاتَبِ فَكَذَلِكَ فِي حَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ مَقْصُودُهُ الرِّفْقُ بِهِ لَا مُبَادَلَةَ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا لَوْ زَادَهُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِيَزِيدَهُ فِي الْأَجَلِ جَازَ وَيَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا بَيْنَ الْحُرَّيْنِ.
قَالَ وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا بِنَسِيئَةٍ فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لِلثَّانِي بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَهُوَ كَعَيْنٍ آخَرَ يَشْتَرِيه بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَارِثِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ وَارِثِ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ؛ وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ وَيَجُوزُ إقَالَةُ الْوَارِثِ مَعَ الْبَائِعِ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ مَعَ بَائِعِ الْمُوصِي وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي؛ فَلِهَذَا جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَارِثُ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute