للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ بِكْرًا يَفُوتُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ مَالٌ يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْوَاطِئَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْعُقْرِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى النُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُصْهَا شَيْئًا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ نَقَصَهَا شَيْئًا حَطَّ عَنْهُ حِصَّةَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْعُقْرِ وَالْقِيمَةِ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْعُقْرِ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُقْرِ وَمِنْ النُّقْصَانِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيمَتِهَا وَيَبْطُلُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُهَا بِحِصَّةِ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا بِالْعُقْرِ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي فَوَطْءُ الْبَائِعِ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ.

وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْعُقْرِ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ فَيُعْتَبَرُ الْعُقْرُ لِإِسْقَاطِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ فَكَمَا أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ تُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَالْمُمْكِنُ هُنَا اعْتِبَارُ مَعْنَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَالْعُقْرِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ فَعَلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَيُعْتَبَرُ الِانْقِسَامُ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْجَارِيَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ أَرْشٌ وَلَا بِالْوَطْءِ عُقْرٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فَكَمَا أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا لَوْ حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقْرِ أَصْلًا فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ وَلَكِنَّهُ جُزْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهَا، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْجِنَايَةَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ نَقُولُ: إنَّهُ يَسْقُطُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي حُكْمِ الْوَطْءِ إنَّمَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ هِيَ كَالْمَمْلُوكَةِ لِلْبَائِعِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَوَطْءُ الْبَائِعِ إيَّاهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ وَطْئِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>