للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِهَا وِتْرًا».

وَهَذَا لِأَنَّهُ يَلْبَسُ كَفَنَهُ لِلْعَرْضِ عَلَى رَبِّهِ وَفِي حَيَاتِهِ كَانَ إذَا لَبِسَ ثَوْبَهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ تَطَيَّبَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يُفْعَلُ بِكَفَنِهِ وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ثُمَّ تُبْسَطُ اللِّفَافَةُ وَهِيَ الرِّدَاءُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطُ الْإِزَارُ عَلَيْهَا طُولًا فَإِنْ كَانَ لَهُ قَمِيصٌ أُلْبِسَ إيَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَمِيصَ فِي الْكَفَنِ سُنَّةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَيْسَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ إنَّمَا الْكَفَنُ ثَلَاثُ لَفَائِفَ عِنْدَهُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ».

(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فِيهَا قَمِيصُهُ» وَلِبَاسُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْتَبَرٌ بِلِبَاسِهِ فِي حَيَاتِهِ إلَّا أَنَّ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ حَتَّى إذَا مَشَى لَمْ تَنْكَشِفْ عَوْرَتَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْإِزَارُ قَائِمٌ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ وَلَكِنْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ الْإِزَارُ تَحْتَ الْقَمِيصِ لِيَتَيَسَّرَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْإِزَارُ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِمَامَةَ فِي الْكَفَنِ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَانَ الْكَفَنُ شَفْعًا وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يُرْسِلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا لِمَعْنَى الزِّينَةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ

(قَالَ) ثُمَّ يُوضَعُ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَيُوضَعُ الْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَتُخَصُّ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ وَعَنْ زُفَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَذُرُّ الْكَافُورُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَتَبَاعَدَ الدُّودُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْثُرُ عَلَيْهِ الْكَافُورَ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْمُخَارِقُ مِنْ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ لِهَذَا

(قَالَ): ثُمَّ يَعْطِفُ الْإِزَارَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ طَوِيلًا حَتَّى يَعْطِفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ يَعْطِفُ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَعْطِفُ اللِّفَافَةَ وَهِيَ الرِّدَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا تَحَزَّمَ بَدَأَ بِعِطْفِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَعْطِفُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ فَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ

(قَالَ): وَإِنْ تَخَوَّفْت أَنْ تَنْتَشِرَ أَكْفَانُهُ عَقَدْته وَلَكِنْ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ يُحَلُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ عُقْدَتُهُ قَدْ زَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ هَلْ تُحْشَى مَخَارِقُهُ وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي أَنْفِهِ وَفَمِهِ كَيْ لَا يَسِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي دُبُرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>