فِي الْأَصْلِ.
وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الْحَائِطِ فَقُلْتُ لِي اسْتَأْجَرْتُهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ» وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ مِنْ الدُّنْيَا مَا يُعْجِبُ غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَرْكَنُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} [طه: ١٣١]. الْآيَةَ
وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْإِعْجَابِ لَا يَضُرُّ أَحَدًا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ جُهَّالُ الْمُتَعَسِّفَةِ أَنَّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا يَنْتَقِصُ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِهِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» فَلَمَّا أَعْجَبَهُ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ هَذَا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَعْنِي الْمَرْءُ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِئْنَاسِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَفِي قَوْلِ رَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِي اسْتَأْجَرْتُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إلَى الْمَرْءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانٌ بِإِجَارَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ حَنِثَ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِلْأَرَاضِيِ وَدَلِيلُ فَسَادِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فَفِي الْمُزَارَعَةِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُهُ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَنْ أَجَازَهُ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا وَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يَفْتَحُ بَابَهُ وَيَغْلِقُهُ وَيُخْرِجُ مَتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مِنْ غَيْرِهِ وَبِهِ يَقُولُ: فَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ الْمَالِكِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ مَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى، فَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْضِلَ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا نَحْوَ فَتْحُ الْبَابِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ وَهَذَا فَضْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَانَ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَى بِالْفَضْلِ بَأْسًا وَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حَيْثُ كَرِهُوا الْفَضْلَ، وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكْرَهُ الْفَضْلَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا فَإِنْ زَادَ فِيهِ شَيْئًا طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَأَخَذْنَا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقُلْنَا إذَا أَصْلَحَ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا، أَوْ طَيَّنَ الْبَيْتِ، أَوْ جَصَّصَ، أَوْ زَادَ فِيهِ لَوْحًا فَالْفَضْلُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا زَادَ مِنْ عِنْدِهِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا لَا يَطِيبُ لَهُ فَضْلٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute