عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالْمَنْفَعَةُ بِالْعَقْدِ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِرْبَاحًا عَلَى مَا لَمْ يَضْمَنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَكَنْسُ الْبَيْتِ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ التُّرَابِ مِنْهُ فَلَا يَطِيبُ الْفَضْلُ بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَلِكَ فَتْحُ الْبَابِ وَإِخْرَاجُ الْمَتَاعِ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْبَيْتِ فَلَا يَطِيبُ الْفَضْلُ بِاعْتِبَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي الْعَقْدِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَضْلُ بِمُقَابَلَتِهِ وَيَطِيبُ لَهُ وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ إذَا أَبَضَعُوا بِضَاعَةً أَنْ يُعْطُوا صَاحِبَهَا أَجْرًا كَيْ يَضْمَنَهَا وَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيَكُونُ دَلِيلًا لِمَنْ يُضَحِّي الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَبْضَعَ إذَا أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يَضْمَنُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَيْ يَضْمَنَ مَا يُتْلِفُ بِعَمَلِهِ مِمَّا يَكُونُ قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ دُونَ الْإِفْسَادِ وَبِهِ نَقُولُ، فَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ ضَامِنٌ؛ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ وَعَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ خَاصَمَ إلَيْهِ يُقَالُ: قَدْ أَجَّرَهُ رَجُلٌ بَيْتًا فَأَلْقَى فِيهِ مِفْتَاحَهُ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ فَقَالَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَيْتِ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَ شُرَيْحٍ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَلِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ فَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَاللُّزُومُ أَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَجِبُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِدُونِ صِفَةِ اللُّزُومِ.
ثُمَّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ شُرَيْحٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وَجْهٍ فَقَالَ: إنْ أَلْقَى إلَيْهِ الْمِفْتَاحَ بِعُذْرٍ لَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَيْتِ وَالْعُذْرُ أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا، أَوْ يَمْرَضَ فَيُقَوِّمَ، أَوْ يُفْلِسَ فَيُقَوِّمَ مِنْ السُّوقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِضَعْفِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَكِنْ جَعَلَهُ فِي الضَّعْفِ نِهَايَةً؛ حَيْثُ قَالَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَنْ يَقُولُ: لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ فَقَدْ جَعَلَهُ نِهَايَةً فِي الْقُوَّةِ وَفِي الْجَانِبَيْنِ مَعْنَى الضَّرَرِ فَإِنَّمَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْفَسْخِ تَعَذَّرَ بِقَصْدِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِالْغَيْرِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةٌ وَهُوَ دَلِيلُ قُوَّتِهِ وَعَدَمُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ الْعَقْدِ دَلِيلُ ضَعْفِهِ وَمَا يُجَاذِبُهُ دَلِيلَانِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَدَلِيلُ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلِدَلِيلِ الضَّعْفِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمُعَاوَضَةِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ كَالْمُشْتَرِي يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ، وَظَاهِرُ مَا يَقُولُهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَنْ الْعُذْرِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute