الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا إذَا أَثْبَتَ الْعُذْرَ عِنْدَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ غَيْرُ قَابِضٍ لِلْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ
وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَيْنَ الْحَانُوتِ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْفَسْخِ وَهُوَ قَابِضٌ لِلْحَانُوتِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ فَلِهَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَلَا غَيْرَهُ، وَفَسَّرَ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكِ فِي الْكِتَابِ بِالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَكُلُّ مَنْ يَقْبَلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الْوَاحِدِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا، أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَطِيعُ الْأَجِيرُ أَنْ يُؤَجِّرَ فِيهِ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَجِيرَ الْوَاحِدِ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ، أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَإِنْ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ
وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ هُوَ مَعْلُومٌ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بِعَمَلٍ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعَ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ فَبَعْدَ مَا بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرَ الْوَحْدَةِ، ثُمَّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَجِيرًا وَاحِدًا، أَوْ مُشْتَرَكًا تَلِفَ بِمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ وَأَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَجِيرِ الْوَاحِدِ أَيْضًا وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَخَذَ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ
وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مَا ضَاعَ عَلَى يَدِهِ
وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَالصَّبَّاغَ وَنَحْوَهُمَا فَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ، وَسَنُقَرِّرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْمَلَّاحَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْغَرَقَ وَالْحَرْقَ، وَالْمَلَّاحُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ضَامِنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute