للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَامُلٌ فَفِيمَا لَا تَعَامُلَ نَأْخُذُ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ وَنَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَرَبَ لِهَذَا الثَّوْبِ أَجَلًا وَتَعَجَّلَ الثَّمَنَ كَانَ جَائِزًا وَكَانَ سَلَمًا لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ الْجَائِزُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فِيهِ لَا يَصِيرُ سَلَمًا فَالِاسْتِصْنَاعُ الْفَاسِدُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ كَيْفَ يَكُونُ سَلَمًا صَحِيحًا فَإِنَّ الْأَجَلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالِبَةِ وَلَا مُطَالَبَةَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَذِكْرُ الْأَجَلِ فِيهِ يَكُونُ لَغْوًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ فَفِيمَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُصَارُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْمُمْكِنِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ سَلَمًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ فِيمَا فِيهِ التَّعَامُلُ الْمُسْتَصْنَعُ فِيهِ مَبِيعٌ شُرِطَ فِيهِ الْعَمَلُ فَذِكْرُ الْمُدَّةَ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ فِيهَا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا عَيْنًا، فَأَمَّا فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَلَيْسَ هُنَا مَبِيعَ عَيْنٍ لِيَكُونَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ فِي الْعَيْنِ بَلْ ذِكْرُ الْعَمَلِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ فِيمَا يَلْتَزِمُهُ دَيْنًا وَذِكْرُ الْمُدَّةِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى السَّلَمِ فَيَجْعَلُهُ سَلَمًا لِذَلِكَ

وَلَوْ أَسْلَمَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَ لَهُ سَبْعًا فِي أَرْبَعٍ فَحَاكَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَصْغَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ غَزْلِهِ وَسَلَّمَ لَهُ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ إلَّا فِي النُّقْصَانِ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ الْأَجْرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لَهُ، أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ فَلِتَغْيِيرِ شَرْطِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَاكَهُ أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ فَهُوَ أَرَقُّ مِمَّا سُمِّيَ، وَإِنْ حَاكَهُ أَصْغَرَ مِمَّا سُمِّيَ فَهُوَ أَصْفَقُ مِمَّا سُمِّيَ هَذَا إذَا كَانَ قَدَّرَ لَهُ الْغَزْلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّرَهُ لَهُ فَإِذَا حَاكَهُ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى فَقَدْ زَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَزْلِهِ عَلَى مَا سَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ فَلِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ كَالْغَاصِبِ فَضَمَّنَهُ غَزْلًا مِثْلَ غَزْلِهِ وَالثَّوْبُ لِلْحَائِكِ وَلَا أَجْرَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ غَزْلًا وَنَسَجَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِعَمَلِهِ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لَهُ فِي أَصْلِهِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي صِفَتِهِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ إلَّا فِي النُّقْصَانِ

فَأَمَّا إذَا أَرَادَ فَقَدْ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ وَزِيَادَةٍ فَيُعْطِيهِ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَفِي الزِّيَادَةِ لَمْ يُوجَدْ مَا يُقَوِّمُهُ وَهُوَ التَّسْمِيَةُ فَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي النُّقْصَانِ قَالَ: يُعْطِيهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى تَكْسِيرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَتَكْسِيرِ مَا جَاءَ بِهِ فَالْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ سَبْعٌ فِي أَرْبَعَةٍ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ سَبْعٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا فَعَرَفْت أَنَّهُ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأَجْرِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُعْطِيهِ ثَلَاثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>