الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَفِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِلْكِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُوَرَّثُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ دُونَ وَرَثَةِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُوَرَّثُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَبْقَى لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَالْمَنْفَعَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَبْقَى وَاَلَّتِي لَا تَحْدُثُ لَا تَبْقَى لِتُوَرَّثَ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لِيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهَا فَالْمِلْكُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ، وَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ تَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِيهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَفَصَّلَ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ، وَالسَّفِينَةُ إذَا كَانَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَمَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ فِي الْقِيَاسِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَاجَةِ لَا تُعْتَبَرُ لِإِثْبَاتِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ مَضَتْ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ بِعَقْدٍ بَيْنَهُمَا عُقِدَتْ الْإِجَارَةُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ إبْقَاءُ الْعَقْدِ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ أَوْلَى وَالْمُسْتَحْسَنُ مِنْ الْقِيَاسِ لَا يُورِدُ نَقْضًا عَلَى الْقِيَاسِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ رَجُلَانِ أَجَّرَا دَارًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْعَقْدُ يُنْتَقَضُ فِي حِصَّتِهِ فَإِنْ رَضِيَ الْوَارِثُ وَهُوَ كَبِيرٌ أَنْ تَكُونَ حِصَّتُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَرَضِيَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ بَيْنَهُمَا فِي حِصَّتِهِ بِالتَّرَاضِي، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَاجِرُ مِنْ شَرِيكِهِ فَفِي نَصِيبِ الْحَيِّ مِنْهُمَا الْعَقْدُ بَاقٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ الْإِجَارَةَ إلَّا زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ وَالْمُقَارِنِ فَقَالَ بِمَوْتِ: أَحَدِهِمَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْخِلَافِ وَقَدْ بَيَّنَّا رِوَايَةً فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فَإِنْ تَكَارَى دَارًا سَنَةً عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْأَجْرَ فَسَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا فَقَالَ رَبُّ الْمَنْزِلِ عَجِّلْ لِي الْأَجْرَ كَمَا شَرَطْت عَلَيْكَ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ قَبْلَ السَّنَةِ.
(قَالَ:) يَأْخُذُهُ بِالْأَجْرِ حَتَّى يُعَجِّلَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ كَالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ يُطَالِبُهُ بِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَجْلِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ بَعْدَ شَرْطِ التَّعْجِيلِ يُطَالِبُهُ بِالْأُجْرَةِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ لِأَجْلِهِ، وَإِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِي الدَّارِ تَنُّورًا يَخْبِزُ فِيهِ بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَاحْتَرَقَ بَيْتُ بَعْضِ الْجِيرَانِ مِنْ تَنُّورِهِ أَوْ بَعْضُ بُيُوتِ الدَّارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute