أَنْ يَرْكَبَ مَعَ فُلَانٍ يُشَيِّعُهُ فَحَبَسَهَا مِنْ غُدْوَةٍ إلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ، ثُمَّ بَدَا لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَرَدَّ الدَّابَّةَ عِنْدَ الظُّهْرِ فَإِنْ كَانَ حَبَسَهَا قَدْرَ مَا يَحْبِسُ النَّاسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا يَحْبِسُ النَّاسُ صَارَ مُسْتَثْنًى لَهُ بِالْعُرْفِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ خُطُوَاتُ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إذَا حَبَسَهَا فِي الْمِصْرِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ تَسِيرَ الدَّابَّةُ مَعَهُ إلَى الطَّرِيقِ، وَإِنْ رَكِبَهَا بَعْدَ الْحَبْسِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِالْخِلَافِ فَيَكُونُ كَالْغَاصِبِ لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ إذَا عَطِبَتْ لِاسْتِنَادِ مِلْكِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ تَكَارَى دَابَّةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَى حُلْوَانَ فَنَتَجَتْ فِي الطَّرِيقِ وَضَعُفَتْ مِنْ حَمْلِ الرَّجُلِ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ فَعَلَى الْمُكَارِي أَنْ يَأْتِيَ بِدَابَّةٍ أُخْرَى تَحْمِلُهُ وَمَتَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ الْعَمَلَ فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ لَوْ هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِأُخْرَى، فَكَذَلِكَ إذَا ضَعُفَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ وَقَعَ عَلَى هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهَا وَلَا يَتَأَتَّى اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ دَابَّةٍ أُخْرَى بَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ.
وَإِنْ تَكَارَى ثَلَاثَ دَوَابَّ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الدَّوَابِّ أَجَّرَ دَابَّةً مِنْ غَيْرِهِ وَأَعَارَ أُخْرَى وَوَهَبَ أُخْرَى أَوْ بَاعَ فَوَجَدَ الْمُسْتَكْرِي الدَّوَابَّ فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنْ كَانَ بَاعَ مِنْ عُذْرٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَانْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَالْمُسْتَكْرِي أَحَقُّ بِالدَّوَابِّ لِتَقَدُّمِ عَقْدِهِ وَثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ لَهُ وَالْيَدُ فِي الْعَيْنِ بِذَلِكَ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ رَبُّ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ لَيْسَتْ بِيَدِ الْخُصُومَةِ وَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَهُوَ خَصْمٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ عَيْنِهَا فَيَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِيهَا وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْإِجَارَةَ وَهَذَا جَوَابٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَحَقُّ بِهَا فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ: مُرَادُهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَكُونُ خَصْمًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَدَّعِي مَا يَزْعُمُ الثَّانِي أَنَّهُ لَهُ فَيَكُونُ خَصْمًا لَهُ فِي مِلْكِهِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْضُرَ رَبُّ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِلْكَ عَيْنِهَا لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ تَكَارَى غُلَامًا وَدَابَّةً إلَى الْبَصْرَةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَقَدْ شَرَطَ لَهُمْ دِرْهَمًا إلَى الْكُوفَةِ فَأَبَقَ الْغُلَامُ وَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا أَصَابَ مِنْ خِدْمَةِ الْغُلَامِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، ثُمَّ انْعَدَمَ تَمَكُّنُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبَاقِ وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute