للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالنِّصْفُ لِلثَّالِثِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْإِقْرَارَ لِلثَّالِثِ هُنَا حِينَ لَمْ يَقْرِنْ بِهِ حَرْفَ أَوْ وَأَثْبَتَ الْمُزَاحِمَةَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ وَلِهَذَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَنِصْفُ الْمِائَةِ لِلثَّالِثِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ حُكْمُ الِاصْطِلَاحِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ: وَقَوْلُهُ عَلَيَّ وَقِبَلِي دَيْنٌ وَقَوْلُهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ مِلْكِي وَدِيعَةٌ وَقَوْلُهُ فِي مِلْكِي أَوْ فِي مَالِي شَرِكَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا.

وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالْمَالِ عَيْنًا، وَفِي حَقِّ الثَّانِي عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَيَبْقَى إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ مُلْزِمًا، وَفِي حَقِّ الثَّانِي بَاطِلًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَلَيَّ حِجَّةٌ لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ دَلِيلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ وَاجِبًا بِإِقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ آخِرَ كَلَامِهِ تَعْلِيقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُذْكَرُ عِنْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ظَنِّهِ الْأَوَّلَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ هَذَا الْقَادِمُ زَيْدٌ وَإِلَّا فَعَمْرٌو وَكُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَإِلَّا فَهَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ لِلْأَوَّلِ فَهُنَا أَيْضًا يَكُونُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُقِرًّا لِأَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ حِجَّةٌ فَإِنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ إنْشَاءِ الْعِتْقِ وَالْتِزَامِ الْحَجِّ حَتَّى يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَعْنَى التَّرَدُّدِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَالْحَجَّ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ آخِرِ الْكَلَامِ تَعْلِيقًا، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَفِي جَعْلِنَا إيَّاهُ شَرْطًا إلْغَاؤُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ بِمَعْنَى أَوْ لِيَكُونَ مُقِرًّا لِأَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ.

وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَلْ لِفُلَانٍ أَوْ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْمِائَةِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَالْإِقْرَارُ لِلثَّانِي بِالْمِائَةِ صَحِيحٌ.

وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَلْ عَلَيَّ حِجَّةٌ لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ وَالْحِجَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>