وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوُضُوئِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَيَمُّمُهُ وَقَاسَ هَذَا بِرَجُلَيْنِ فِي السَّفَرِ وَجَدَا مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَتَيَمَّمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ الْآخَرُ بِالْمَاءِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُ الْمُتَيَمِّمِ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي مَعَهُ مُسْتَحَقٌّ لِإِزَالَةِ الْجَنَابَةِ فَيُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ حَتَّى يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِعَطَشِهِ، ثُمَّ شَبَّهَ هَذَا فِي الْكِتَابِ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي اللُّمْعَةِ فَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ يُجْزِئُهُ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَجْرِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فِي الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَيُعِيدَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَأَنَّ وُضُوءَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ طَهَارَةً بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بَعْدَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الظُّهْرِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَتَكُونُ طَهَارَتُهُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمَسْحِ بِالْخُفِّ تَامَّةً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ، فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ الظُّهْرِ.
وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ بَعْدَ مَا مَسَحَ عَلَيْهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً لِعَجْزِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا.
وَلَوْ نَسِيَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجَبَائِرُ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا يُعِيدُ الْجَبَائِرَ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَقُولُ إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً نَظِيفًا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فَلَا تَنْتَقِضُ بِوُجُودِ الْمَاءِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلِهَذَا يَكْفِيه إعَادَةُ التَّيَمُّمِ.
وَمَنْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ مُبَطَّنٍ أَوْ مُصَلَّى مُبَطَّنٍ وَفِي الْبِطَانَةِ قَذَرٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute