صَاحِبَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ: أَحَدُهُمَا تَكُونُ عِنْدَكَ يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَإِنِّي أَجْعَلُهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا وَلَا أَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُسْتَحِقَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمِلْكِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ مِلْكِ الْعَيْنِ عَلَيْهِمَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ إبْطَالُ مِلْكِ الْيَدِ وَفِي التَّعْدِيلِ إبْطَالُ الْيَدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ مَا يَخَافُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْهُومٌ وَالْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقَ وَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمُتَحَقِّقِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ الْعَبْدُ فِي نَوْبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَنْ يَدِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمُهَايَأَةِ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ
وَالْمُهَايَأَةُ فِي الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ دُونَ الْمَيْلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِيمَا لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ بِغَيْرِ إقْرَاعٍ يَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ
التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ أَوْ الْغَلَّةِ فِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يَعْلَمُهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ فِي الْغَلَّةِ كَالرُّكُوبِ جَمِيعًا أَمَّا فِي الْغَلَّةِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى التَّهَايُؤِ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الرَّاوِيَةُ هُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِيمَا يَعْلَمُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الدَّابَّتَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَتَا كَالْعَبْدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقِسْمَةُ الْجَبْرِ فِي الدَّابَّتَيْنِ تَجُوزُ وَلَا تَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ أَنَّ مَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ مِلْكِ الْحَيَوَانِ يُشْبِهُ هَذَا التَّهَايُؤَ فِي الْغَنَمِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ فَكَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ فَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ: مَنْفَعَةُ الرُّكُوبِ فِي الدَّوَابِّ كَمَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْعَبِيدِ وَالسُّكْنَى فِي الدَّارِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ بِالْإِجَارَةِ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْإِعَارَةِ فَكَمَا لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: جَوَازُ الْمُهَايَأَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَذَلِكَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرُبَّ رَاكِبٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ وَيُثْقِلُهَا الْآخَرُ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّتَيْنِ رُكُوبًا بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَوْفَى (أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَنَّ التَّهَايُؤَ عَلَى الدَّابَّتَيْنِ فِي الرُّكُوبِ لَا يَجُوزُ ثَبَتَ فِي الْغَلَّةِ بِالطَّرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute