دَلِيلُ التَّقْرِيرِ، فَقَدْ كَانَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَعَيَّنًا لِلْبَيَانِ لِأَهْلِ الْيَمَنِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الْأَحْكَامَ، وَاسْتَدَلَّ بِتَرْكِ التَّكَثُّرِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَا اُشْتُهِرَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمْضَى ذَلِكَ، وَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْفَتْوَى بِالْجَوَازِ وَعَنْ طَاوُسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُخَابَرَةِ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: " خَابِرُوا عَلَى الشَّطْرِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَلَا تُخَابِرُوا عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ " فَكَأَنَّ طَاوُسًا تَعَلَّمَ مِنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ دَلِيلٌ: أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لَا تَجُوزُ، وَبِهِ يَأْخُذُ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: أَقْطَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَالزُّبَيْرَ، وَخَبَّابًا وَرَأَيْت هَذَيْنِ يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَعَبْدَ اللَّهِ وَسَعْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْمُرَادُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ مُفَسَّرًا بَعْدَ هَذَا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَانَا يُبَاشِرَانِ الْمُزَارَعَةَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ: أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ الْإِقْطَاعِ فِيمَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى، كَمَا يَفْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: إنَّا كُنَّا لَنُزَارِعُ عَلَى عَهْدِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَمَا يَعِيبَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَهُمَا مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفَتْوَاهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ فَتْوَى عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُجَّةٌ أَيْضًا، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا إلَى قَوْمٍ يَطْمِسُ عَلَيْهِمْ نَخْلًا فَجَاءَ أَرْبَابُ النَّخِيلِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فُلَانًا قَدْ طَمَسَ عَلَيْنَا نَخْلَنَا فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ بَعَثْت رَجُلًا فِي نَفْسِي أَمِينًا فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا نَصِيبَكُمْ بِمَا طَمَسَ، وَإِلَّا أَخَذْنَا وَأَعْطَيْنَاكُمْ نَصِيبَكُمْ فَقَالُوا: هَذَا الْحَقُّ وَبِالْحَقِّ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْمُرَادُ بِالطَّمْسِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ " الْحَزْرُ " وَالْمَذْكُورُ ثَانِيًا " الظُّلْمُ " فَالطَّمْسُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ وَمِنْهُ يُقَالُ عَيْنٌ مَطْمُوسَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {. فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: ٣٧] وَكَانَ الْحَدِيثُ فِي ابْنِ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَهْلِ خَيْبَرَ وَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَعَثْت رَجُلًا فِي نَفْسِي أَمِينًا " فِي مَعْنَى الرَّدِّ لِتَعَنُّتِهِمْ عَلَيْهِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَارَ لِعَمَلِهِ مَنْ هُوَ أَمِينٌ عِنْدَهُ، ثُمَّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ لِطَعْنِ الطَّاعِنِينَ، فَالْقَائِلُ بِحَقٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَطْعَنَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ، فَالنَّاسُ أَطْوَارٌ وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ الشَّكُورُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ تَعَنُّتُهُمْ لَمَّا خَيَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute