للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا رَابَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ، فَاكْسِرُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ»، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، وَصَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، وَقَالَ إنَّ لِنَبِيذِ زَبِيبِ الطَّائِفِ غَرَامًا، وَفِي مُنَاوَلَتِهِ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَكَانَ عَنْ يَمِينِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ، وَكَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ أَنْتَ عَلَى يَمِينِي، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: الْأَعْرَابِيُّ مَا أَنَا بِاَلَّذِي أُوثِرَ غَيْرِي عَلَى سُؤْرِكَ، فَثَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ»، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:

ثَلَاثَةٌ يَمْنَةٌ تَدُورُ ... الْكَأْسُ وَالطَّسْتُ وَالْبَخُورُ

ثُمَّ أُشْكِلَ عَلَى عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: مَا أَرَى النَّارَ تُحِلُّ شَيْئًا يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَدَّ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ بِالنَّارِ حَرَامٌ، فَبَعْدَ الطَّبْخِ كَذَلِكَ إذْ النَّارُ لَا تُحِلُّ الْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا أَحْمَقُ أَيْ يَا قَلِيلَ النَّظَرِ، وَالتَّأَمُّلِ أَلَيْسَ يَكُونُ خَمْرًا؟ ثُمَّ يَكُونُ خَلًّا؟ فَنَأْكُلُهُ يَعْنِي أَنَّ صِفَةَ الْخَمْرِيَّةِ تَزُولُ بِالتَّخْلِيلِ، فَكَذَلِكَ صِفَةُ الْخَمْرِيَّةِ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ تَزُولُ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ النَّارَ لَا تُحِلُّ، وَلَكِنْ بِالطَّبْخِ تَنْعَدِمُ صِفَةُ الْخَمْرِيَّةِ كَالذَّبْحِ فِي الشَّاةِ عَيْنُهُ لَا يَكُونُ مُحَلِّلًا، وَلَكِنَّهُ مُنْهِرٌ لِلدَّمِ، وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، فَتَسْيِيلُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ يَكُونُ مُحَلِّلًا لِانْعِدَامِ مَا لِأَجْلِهِ كَانَ مُحَرَّمًا، وَبِهَذَا أَخَذْنَا، وَقُلْنَا يَجُوزُ التَّخْلِيلُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِصِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِتْلَافُ صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحَرِّمًا.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُلُّ نَبِيذٍ يَفْسُدُ عِنْدَ إبَّانِهِ، فَهُوَ نَبِيذٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكُلُّ نَبِيذٍ يَزْدَادُ جَوْرُهُ عَلَى طُولِ التَّرْكِ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النِّيءَ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ، أَوْ التَّمْرِ أَنَّهُ مَا دَامَ حُلْوًا، وَلَمْ يَصِرْ مُعَتَّقًا، فَهُوَ بِحَيْثُ يَفْسُدُ عِنْدَ إبَّانِهِ، فَلَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ، وَإِذَا صَارَ مُعَتَّقًا بِأَنْ غَلَا، وَاشْتَدَّ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، فَهُوَ يَزْدَادُ جَوْرُهُ عَلَى طُولِ التَّرْكِ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الِابْتِدَاءِ فِي الْمَطْبُوخِ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ إنَّهُ إذَا صَارَ مُعَتَّقًا لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَفْسُدُ إذَا تُرِكَ عَشَرَةً، فَلَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النِّيءِ خَاصَّةً، فَهُوَ النَّبِيذُ حَقِيقَةً مُشْتَقٌّ مِنْ النَّبْذِ، وَهُوَ الطَّرْحُ أَيْ يُنْبَذُ الزَّبِيبُ، وَالتَّمْرُ فِي الْمَاءِ لِيَسْتَخْرِجَ حَلَاوَتَهُ، فَأَمَّا إذَا طُبِخَ، فَالطَّبْخُ يُغَيِّرُهُ عَنْ حَالِهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ النَّبِيذِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُسَمَّى بِهِ مَجَازًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: حُرِّمَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>