الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ، وَالْجَرِيحُ غَيْرُ الْقَتِيلِ، وَلَوْ جُعِلَ مَوْتُهُ مُحَالًا عَلَى تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لَمَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، أَوْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ بَعْدَ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَارِحُ مَعْلُومًا. وَجْهُ قَوْلِنَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَهُوَ مَرِيضٌ، وَالْمَرَضُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مِنْ أَوَّلِ سَبَبِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ جُعِلَتْ هَذِهِ الْحَالُ كَالْحَالِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ جُرِحَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَأَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَيِّتِ مِنْ حِينِ جُرِحَ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ وَعَلَى هَذَا الْجَرِيحِ إذَا وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانِ يَحْمِلُهُ إلَى بَيْتِهِ فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا شَيْءَ فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْعَسْكَرِ، وَالْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، فَهُوَ عَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِي رِحَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَادَامُوا نَازِلِينَ وَأَهْلُ كُلِّ قَبِيلَةٍ يَنْزِلُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُنَازِعُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي تَدْبِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَكَانُوا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْيَدُ وَأَهْلُ الْقَبِيلَةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي رِحَالِهِمْ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِالْيَدِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالتَّدْبِيرِ فِي مِلْكِهِ وَوِلَايَةُ حِفْظِ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ لَا مُعْتَبَرَ بِالسُّكَّانِ مَعَ الْمُلَّاكِ وَقِيلَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّازِلِينَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ السُّكَّانُ كَالْمُلَّاكِ، وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِي فُسْطَاطِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَتَكُونُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحِفْظِ الْفُسْطَاطِ، وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الدَّارِ فِي دَارِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ إذَا كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ رَجُلًا، أَوْ أَكْثَرُ وَأَرَادَ أَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِيَكُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ خَمْسِينَ مَرَّةً هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْيَمِينِ عَلَى وَاحِدٍ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا الضَّرُورَةُ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ فُسْطَاطِهِ، وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَسْكَرِ فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ إذَا كَانَ الْقَتِيلُ إلَيْهِمَا سَوَاءً، بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ إذَا كَانَ إلَيْهِمَا سَوَاءً، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ قَدْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute