للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْوَارِثِ فَكَذَلِكَ لِلْقَاتِلِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَنْعَدِمُ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْوَارِثِ بِالْإِجَازَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْمِيرَاثِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَالْإِجَازَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْمَيِّتُ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ لَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِجَازَةِ فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ.

وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ، فَإِنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لِمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِعَبْدِهِ أَبْطَلْنَاهَا، وَقَالَ الْحَاكِمُ تَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْقَاتِلُ فَأَوْصَى لَهُ أَوْ لِعَبْدِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ فَالْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ إذَا قَتَلَ الْمُوَرِّثَ لَا يُحْرَمُ الْمَوْلَى مِيرَاثَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى مَا يَحْرِمُهُ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةُ لِابْنِ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ لِمَمَالِيكِ هَؤُلَاءِ مِنْ عَبِيدِهِمْ وَمُكَاتَبِيهِمْ وَمُدَبَّرِيهِمْ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى قِيَاسِ الْإِرْثِ، فَإِنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ يُوَرَّثُونَ الْمَقْتُولَ، وَإِنْ لَمْ يَرِثهُ الْقَاتِلُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ فِي مِلْكِ هَؤُلَاءِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ.

وَإِذَا أَقَرَّ لِقَاتِلِهِ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ، وَإِنْ كَانَ سَبَبَ الْهَلَاكِ وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ مَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُبَايِنُ الصَّحِيحَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ كَانَ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِنْ تَكَلَّفَ لِمَشْيِهِ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَهَا لِلْقَاتِلِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ صَحِيحٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي الْحَالِ مَعَ الْقَاتِلِ كَمَا يَنْفُذُ مَعَ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَالْهِبَةِ لَهُ.

وَإِذَا ضَرَبَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ فَأَوْصَى لَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا وَصِيَّةَ، وَإِنَّمَا لَهَا مِقْدَارُ صَدَاقِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَبْطُلُ بِالْقَتْلِ.

وَلَوْ اشْتَرَكَ عَشَرَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ أَحَدُهُمْ عَبْدَهُ وَأَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ لَهُ عَلَى الْكَمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>