فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا كَانَ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ فِي حَقِّهِ فَهُوَ أَوْلَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ.»
وَأَكْرَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسَ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الذَّهَبَ بِيَمِينِهِ وَالْحَرِيرَ بِشِمَالِهِ وَقَالَ هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» فَإِنَّمَا أَبَاحَ اللُّبْسَ بِشَرْطِ أُنُوثَةِ اللَّابِسِ، وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْخُنْثَى، ثُمَّ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَتَرَجَّحُ مَعْنَى الْحَظْرِ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَتَرْكُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَا يَرِيبُهُ وَلُبْسُهُ يَرِيبُهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَرْكِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُوَاقِعًا لِلْحَرَامِ إنْ كَانَ رَجُلًا، وَإِنْ قَبَّلَهُ رَجُلٌ بِشَهْوَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَتَقْبِيلُهُ بَعْدَ مَا رَاهَقَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَتَكُونُ أُمُّهُ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَتَرْكُ نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ امْرَأَةٍ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَلَا عِلْمَ لِي بِنِكَاحِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ يَدْخُلُ فِي النِّكَاحِ دُخُولَ الْمَالِكِينَ، وَالْأُنْثَى تَصِيرُ مَمْلُوكَةً بِالنِّكَاحِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ فِي حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ إنْكَاحِ الْوَلِيِّ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ الرِّجَالِ وَقَدْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً حُكِمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ حِينِ عَقْدِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ صَادَفَ مَحَلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ، وَإِنْ كَانَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَلَامَةُ الرِّجَالِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ بَاطِلًا.
وَإِنْ أَحْرَمَ وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ فِي إحْرَامِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمِخْيَطِ، وَالْمَرْأَةُ فِي إحْرَامِهَا يَلْزَمُهَا لُبْسُ الْمِخْيَطِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاكْتِفَاءُ بِلُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ فَلَمَّا اسْتَوَى الْجَانِبَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَتَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ، وَمَبْنَى حَالِهِ عَلَى السَّتْرِ كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّ لُبْسَ الْمِخْيَطِ لِلرَّجُلِ فِي إحْرَامِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَاشْتِبَاهُ أَمْرِهِ مِنْ أَبْلَغِ الْأَعْذَارِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ عِنْدَنَا وَيُصَلِّي بِقِنَاعٍ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَالتَّقَنُّعُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالتَّقَنُّعِ فِي صَلَاتِهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَتَرَجَّحُ هَذَا الْجَانِبُ، وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute