الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَصَّ فِي هَدْيِ الْإِحْصَارِ عَلَى مَكَان بِقَوْلِهِ {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] فَالتَّقْيِيدُ بِالزَّمَانِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ ثُمَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِلْإِحْلَالِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، وَدِمَاءُ الْكَفَّارَاتِ تَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُ نُسُكٌ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ جَمِيعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَجَّهَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَدَلِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ فَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِمَقْصُودٍ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ جَمِيعًا لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ لَمْ يَنْعَدِمْ بِزَوَالِ الْإِحْصَارِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ، وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَهُ فِي هَذَا التَّوَجُّهِ غَرَضٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنَفِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا هَذَا الْهَدْيُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إدْرَاكُ الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ قَدْ ارْتَفَعَ بِزَوَالِ الْإِحْصَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ ضَاعَ مَالُهُ فَإِنَّ الْهَدْيَ مِلْكُهُ جَعَلَهُ لِمَقْصُودٍ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُهُ، وَلَا يَتَحَلَّلُ بِهِ يُضَيِّعُ مَالَهُ، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَكَمَا كَانَ الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ عُذْرًا لَهُ فِي التَّحَلُّلِ فَكَذَلِكَ الْخَوْفُ عَلَى مَالِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَ، وَهُوَ أَدَاءُ مَا شَرَعَ فِيهِ
(قَالَ) وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ، وَلَا زَوْجٌ يَخْرُجُ مَعَهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِسَفَرِ الْحَجِّ إلَّا مَعَ مُحْرِمٍ أَوْ زَوْجٍ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا وَجَدَتْ رُفْقَةَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مُحْرِمًا، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْمُحْرِمِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute