للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحتمى احتراسًا من الألم، أو استراحة من العمل؛ فهي كلها مقاصد دينية.

وأمَّا من تصدَّق مُتَلَذِّذًا بالعطاء لما في سِنْخِه (١) من الكرم؛ فذلك حَسَنٌ جِدًّا، ودالٌّ على باطنة جميلة، وما أجدر هذا بإفاضة كَرَمِ الله عليه، ما لم يَقْصِدْ مَحْمَدَة أو مِلْكَ قَلْبِ أحَدٍ، فيعودُ ذلك كله للدنيا، ولا يكون منه شيء لله تعالى.

وأمّا حَجُّه لرؤية البلاد فلا يخلو أن يقصد به راحة النفس؛ فهو حَظٌّ عاجلٌ لا ثواب له في خُطاه، وإنما يُكْتَبُ له أَجْرُ عَمَلِ الحج إذا حَصَلَ بمكة.

خرج أبو بكر بن دَاوُد (٢) من بغداد مُشَيِّعًا لصاحب له (٣)، حتى بلغ ذات عِرْقٍ (٤)، وهو لا يستطيع فراقه، فلمَّا لَبَّى الناسُ بالحج سَكَتَ، فقيل له: "أَلَا تُلَبِّي؟ فقال (٥): لا أفعل، لأني خرجت مُشَيِّعا لهذا".


(١) السِّنْخُ: السَّجِيَّة.
(٢) الإمام الحافظ، والأديب الشَّاعر، العلَّامة المتفنن، محمد بن داود بن علي الأصبهاني، أبو بكر الظاهري، تـ ٢٩٧ هـ، له من الكتب: "كتاب الوصول إلى معرفة الأصول"، و"كتاب الإيجار"، وغيرها، وطبع له منها: "كتاب الزَّهْرَة"، ترجمته في: الفهرست: (١/ ٦٣)، وتاريخ بغداد: (٣/ ١٥٨ - ١٦٧)، والدر الثمين لابن أنجب: (١/ ١٣٨ - ١٤٠)، وسير النبلاء: (١٣/ ١٠٩ - ١١٦).
(٣) لعل صاحبه هذا هو محمد بن جامع الصيدلاني، وكان كَلِفًا به، ينظر: تاريخ بغداد: (٣/ ١٦٣).
(٤) ذات عِرْقٍ: هو ميقات أهل العراق، تبعد عن مكة المعظمة باثنين وأربعين ميلًا، فتح الباري: (٣/ ٣٨٩).
(٥) في (د): قال.