فتلك المعرفة هي التي سدَّدته، وتلك الصفة هي التي أيَّدته، فصَدَرَ كَلَامُه عن تحقيق، ولم يَحِدْ عن سواء الطريق.
وفي تخريجنا لتلك الأحاديث اعتنينا بالكُتُبِ التي يُسَمِّيها الإمامُ ابن العربي بمِعْصَمِ الإسلام وكَفِّه؛ الموطأ، والصحيحين، وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود، وهي الكُتُبُ الستة التي عليها المعوَّل، وعلى أحاديثها مدار العلم والفقه والدِّين.
ثم صنعنا لهذا "السراج" برنامجًا، مُؤتَمِّينَ في ذلك بصنيع إمام زمانه في علوم العربية واللسان أبي فهر محمود محمَّد شاكر- يرحمه الله-، في تقدمته لكتاب "طبقات فُحُولِ الشعراء"، فسمَّيناها باسمه، ورسمناها برسمه، ووَسَمْناها بوَسْمِه.
وقد ذَكَرْنَا في هذا "البرنامج" زَمَنَ تأليف "السراج"، وموضوعه وفنَّه الألصق به، وبواعثَ إملائه، ثم عُجنا إلى ذِكْرِ مَزَايِنِه، وتعديد محاسنه، وهي كثيرة جِدًّا، حَزْرًا وعَدًّا، وفيه من أخبارِ ابن العربي في رحلته، وفي مقامه بين أهل بلدته، وما ناله منهم، وما رجاه من غيرهم، وفيه حديث طويل عن مشيخته السِّراجيَّة، ومجالسه الأَنْوَارِيَّة، مما لا يوجد في ديوان آخر.
وذكرنا من جملة فصول تَقْدِمَتِنا نظامَ ترتيب "السراج" وأساس تقريبه، وهو فصل لم نُسبَق إليه، ولم نُزْحَمْ عليه، وفيه كَشَفْنَا عن نَمَطِ ترتيبه ومحجَّة تأليفه، وطريقة ابتناء الأسماء على المقامات، والمناسبة بين كل اسم واسم، مع الدلالة على أمثالها، والتنبيه إلى أشكالها.