للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، فأخبر تعالى إذ دَعَوْتَه في الدنيا بإذنه، ثم أضاف الدعوى إلى نفسه فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس: ٢٥]، وأخبر أنه لا يشفع أحد إلَّا بإذنه، ثم أضاف الشفاعة إلى نفسه فقال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤]، ثم أَعَمَّ القول في آية أخرى فقال: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨]، يعني: أن الدعوة والنعمة من الله، والشفاعة من الله، والرحمة من الله" (١).

هذا بَعْضٌ من كُلٍّ، وقَبْسَةٌ من نُورِ هذا الإمام، ونَظَرٌ مختصر، وتِبْيَانٌ معتصر، وفيه ما لا يوجد في غيره، وبه يُتعرَّف على منهج ابن العربي في كتاب "الأنوار"، ونَفَسِه فيه، ومُنَّتِه واقتداره، وما أورده في كتاب "الأحكام" (٢) إنما هو صُبابة منه، وبُلغة يتبلَّغ بها الطالب، و "الأنوارُ" قد حاز الأنوار.

وظهر من هذا الذي نقلناه أن القاضي أبا بكر مُتَوَسِّعٌ في التفريع، مُسْهِبٌ في التشقيق، مائل إلى بسط الأقوال، مُعَوِّلٌ على لطائف أهل الإشارة.

وفيه تعويلُه الكبير على تفسير الآيِ بالآيِ، واستخراج الوجوه منها، وتتبع موارد اللفظ في القرآن، والإحصاء له، ووَزْنِه بميزان اللغة والبيان، وهي طريقة مخترعة مبتكرة.


(١) الدر المنظم: (ق ٧٤/ ب - ق ٧٥/ أ).
(٢) أحكام القرآن: (٣/ ١٥٤٦ - ١٥٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>