للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلى هذا المعنى أشار الحَكِيمُ بقوله:

نُرَاعُ إذَا الجنائزُ أقبلتنا (١) … ونلهو حين تذهب (٢) مُدبرات

كرَوْعَةِ ثَلَّةٍ لمغارِ ذِيبٍ … فلمَّا غاب عادت رَاتِعات (٣)

قال الإمام الحافظ (٤) : وهذا قَوْلٌ صحيح، ولكنه جعل الخوف المذكور قاصرًا، وكلامه فيه قاصر، وتحقيق القول فيه: إنَّ الله مَدَحَ هذا القَدْرَ من الخوف في هذا الوقت بهذا السبب فقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣]، وقال: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨]، وقال: ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء: ١٠٧]، وقال: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: ١٠٩] فتارةً يبكي من عرفان الحق الذي فاته فيما قبلُ، وتارةً يزداد خشوعًا إلى ما كان عليه.

فإذا استقرَّت هذه الحالة فلا يخلو أن يرجع إلى غفلة أو يرجع إلى معصية، فإن رجع إلى غفلة لم يضرَّه ذلك، والدليلُ عليه حديث حنظلة المتقدِّم، قال فيه: "قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: وما ذلك؟ قلت:


(١) في (ص): قابلننا.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): تعرض.
(٣) من الوافر، وهي لعُروة بن أذينة في البيان والتبيُّن: (٣/ ٢٠١)، والحيوان: (٦/ ٥٥٧)، وفي ملحق ديوانه: (ص ٣٥٩)، وفيها في البيت الأوَّل:
ويُحْزِننا بكاء الباكيات.
(٤) في (ك): قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي، وفي (ب): قال الإمام أبو بكر بن العربي، وفي (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي.