للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره … إذا استوت عنده الأنوار (١) والظُلَمُ (٢)

قال الإمام الحافظ (٣) : وقد بيَّنَّا أن الخوف والرجاء مقامان، وهما أخوان، ربطهما الله في كتابه ارتباطهما في صفاته، فقال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٨]، وقال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩ - ٥٠]، وقال: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ [غافر: ١ - ٢]؛ فهذان للرجاء، ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾؛ فهذا للخوف، ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾؛ إن كان المرادُ به القدرة رجع إلى الخوف، وإن كان المرادُ به الفضل رجع إلى الرجاء، فكان الرجاء في هذه الآية أغلب من الخوف.

وقد اختلف الناسُ في أيِّ الحالين أفضل، وأي الحالتين (٤) أَوْلَى أن يكون عليها العبد، وأطالوا في ذلك النَّفَس، وما حَلوا عُقْد الحَبَس، وقد بيَّنَّاه في موضعه.

الحاصلُ من لُبابه هاهنا أن نقول: إنَّا قد قرَّرنا في مواضع من "أَمَالِينَا" شروط القول في التفضيل، ولا سيما في رسالة "تفصيل التفضيل بين التكبير والتهليل" (٥)، وإذا قلت أيهما أفضل: الخبز أو الماء أو العسل أو


(١) في (د): الأضواء، الأنوار.
(٢) من البسيط، وهو للمتنبي من قصيدة يعاتب فيها سيف الدولة، ديوانه: (٢/ ١٠٠٩).
(٣) في (ص): قال الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، وفي (ب): قال الإمام.
(٤) في (ك) و (ص): الحالين.
(٥) ينظر: القبس: (٣/ ١٠٨٥).