للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا العاصون فهو الذي يتوب عليهم ويَحْلُمُ عنهم ويُرَاجِعُ بهم، فهُمْ (١) على دَرَجِ شَرَفِ الولاية أو دَرَكِ هلاك العداوة، والكتابُ قد سُطِّرَ، والقضاءُ قد نَفَذ، والأمرُ قد أُبْرِمَ، والعبدُ بين الطمع والرجاء، فإمَّا هُلْكٌ، وإمَّا نجاةٌ (٢).

وقد صار هذا الاسمُ في عُرْفِ المتكلمين من علمائنا والصوفية عبارةً عمَّن توالت عليه نِعَمُ الله بالعصمة، حتى تولَّاه الله بالحُرمة، فكلُّ ما أراد كان، وجميعُ ما دعا أجابه الله فيه، فهو وَليٌّ لله، والله وَليٌّ له.

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، فهو قريبٌ منهم بالهداية والعصمة، وهم قريبٌ منه بالعبادة والطاعة.

ولمَّا قال: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، نوَّر قلوبهم بالإيمان، وجوارحهم بالطاعة، ولم يكونوا في سابق عِلْمِه في الظلمات، وإنَّما كانوا في نُورِه، ولكنه غشيتهم عَجَاجَةُ (٣) الاشتراك في الاشتباك في الدنيا، ثم تداركتهم النعمة السَّابقة في الحالة العُليا، كما أن النور السَّاطع بالبيان بالأدلة أدرك الكفَّار، ولكن استولى عليهم سابقُ الظلمة في القَدَرِ الأوَّلي، فساقهم إلى الهَلَكَةِ.

ومن غريب هذا الاسم أنه يُثْبَتُ به ويُنْفَى، ويُوجَبُ ويُسْلَبُ، تقول: تَوَلَّيْتُ فلانًا؛ إذا تقاربتُ منه، وتولَّيتُ عن فلان؛ إذا تباعدتُ عنه، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥٣]، وقال في الكفَّار.


(١) في (ب): فهو.
(٢) في (ص) و (ب): هَلَكَ .. نَجَا.
(٣) العجاجة: الغُبار، تاج العروس: (٦/ ٩٠).