للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام الحافظ (١) : وعندي أن المراد به (٢) مَدْحُ السَّائحين في آخِرِ الزمان؛ عند فساد الخلق، وغلبة الحرام على الرزق، واضطرام نار الفتنة، فتكون للسياحة (٣) حينئذ دِينًا وسُنَّةً، ويشهدُ لهذا الذي اخترناه في تأويل الآية الأحاديثُ الصحيحة الدالة على الاعتزال والفرار من الخلق عند فساد الزمان، وقد تقدَّم ذِكْرُ بعضها في أشراط الساعة (٤)، والإشارةُ إليها تغني؛ لظهور الأمر عن استيفاء القول فيها.

وقد فسد اليوم الأصنافُ كلهم، وأشدُّهم فسادًا الأمراءُ والفقهاءُ، وهم الذين تصلح بهم الأحوال، وتُنال بصلاحهم الآمال، ويَطَّرِدُ باستقامتهم الإقبال، ومع تغير هؤلاء لا بقاء ولا حال، فالهجرةَ الهجرةَ، والفِرَارَ الفِرَارَ.

والذي يَعْضُدُ الاشتقاق الأوَّل ويشهد له قَوْلُه: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] أي: سيروا حيث شئتم، واذهبوا أين ما اخترتم وأحببتم.

وقد قال جماعة من المفسرين: إنَّ السَّيَاحَ هو الذهاب في الأرض على طريق الاعتبار" (٥).


(١) في (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، وفي (ب): قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي.
(٢) سقطت من (ك).
(٣) في (ك) و (ب) و (ص): السياحة.
(٤) أي: في القسم الأول من الكتاب، وهو قسم المقامات.
(٥) لطائف الإشارات: (٢/ ٦٧).