للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك قال: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾، أي: تَلِينُ فيَلِينُونَ، وهذا بدل على أنه لم يَكُنْ لِيَهُمَّ (١)، ولَوْ هَمَّ لَلَانَ، ولو رَكَنَ لَلَانَ، وذلك مَنْفِيٌّ عنه عقلًا وقرآنًا.

وقد تبيَّن لكم بهذا أن الدَّفع إذا كان بما يجوز بَقِيَ على أصله اسمًا، فيقال له: الدَّرْءُ، ولفَاعِلِه: "المُدَارِي"، ويبقى أيضًا حُكْمًا فيكون جائزًا، فإذا كان بما لا يجوز كان إِدْهَانًا.

فركب المفسرون على الحقيقة إن كانوا علموها.

فمن قال: إن معناه: "وَدُّوا لو تكفر فيكفرون، أو تكذب فيكذبون" (٢)، فإنه فسَّره على المآل، بأنه لو فَعَلَ ذلك أو قاله كان كُفْرًا وكَذِبًا.

وكذلك من قال: "ترخَّص"، فإنَّ الرُّخْصَةَ هي تَرْكُ الواجب، مأخوذ من شيء رَحْصٍ، وهو النازل عن الشدة.

وأمَّا من قال: "تَلِينُ"؛ فهو الحقيقة في اللفظ واللغة.

فأمَّا السَّادس فهو اللفظ بعينه، فلم يُفِدْ شيئًا زائدًا.

وأمَّا من قال: "تلين"؛ فقد فسَّر اللفظ بمعناه عربية.

وأمَّا من قال: "ترخَّص"؛ فهو تفسير اللِّينِ، فلم يخرج عن طريق العربية.

وأما من فسَّره بالكذب والكفر؛ ففسَّره بمُتَعَلَّقِه الذي كانوا أرادوا منه، فهو تفسير مُتَعَلَّق اللفظ، لا نفس اللفظ، وهذا ممَّا لا يُدْرَى من الكلمة، وإنَّما يُدرى من دليل آخر.


(١) في (ك) و (ص) و (ب): لم يلن لهم.
(٢) تقدَّم تخريجه.