للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا لَمَحَ اللَّبِيبُ الدنيا بنظر صحيح تحقَّق أن تأميلها خداع، ووَصْلَها انقطاع، والثقة بها غرور، والسكون إليها حماقة، ويَرَى أنه في غير شيء منها، فيعقد عزمه على التخلي عنها، ويعلم أنه قد كَشَفَ حالها من وَصَفَ مثالها، فقال (١):

أقطعُ الدَّهْرَ بظَنٍّ حَسَنٍ … وأُجَلِّي غَمْرَةً ما تنجلي

كلَّما أمَّلتُ يومًا صالحًا … عَرَضَ المكروهُ لي في أَمَلِي

وأَرَى الأيَّامَ لا تُدْنِي الذي … أَرْتَجِي منك وتُدْنِي أَجَلِي (٢)

الرابع عشر: ألَّا يطلب الدنيا بالدين، ولا يجعل ما علَّمه الله من فضله وَسِيلَةً إلى ما يزداد من دنياه، أو يَزْدَرِدُه من زهرتها.

قال ربيعة بن صالح: قال الزُّهْرِي لسليمان بن هشام: "أَلَا تسأل أبا حازم عمَّا قال في العلماء؟ قال أبو حازم: وما عسى أن أقول في العلماء الَّا خيرًا، إنِّي أدركتُ العلماء وقد استغنوا بعلمهم عن أهل الدنيا، ولم يستغن أَهْلُ الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلمَّا رأى ذلك هذا وأصحابه - يعني: الزهري - تعلَّمُوا العلم فلم يستغنوا به، واستغنى أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلمَّا رأوا ذلك قذفوا بعلمهم إلى أهل الدنيا، ولم يُبَلِّغْهُمْ أَهْلُ الدنيا من دنياهم شيئًا، إن هذا وأصحابه ليسوا علماء، إنَّما هم رُوَاة" (٣).


(١) الأبيات من الرمَل، وهي لمحمد بن أمية، في الأغاني: (١٢/ ١٧٠).
(٢) قوله: "وإذا لمح اللبيب .. أجلي" سقط من (ص).
(٣) حلية الأولياء: (٣/ ٢٣٤).