للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس عشر: ألَّا يرى لنفسه قَدْرًا، فكيف حقًّا؟ فما هَلَكَ امرؤٌ عرف قَدْرَ نفسه، ولا ضلَّ من عَلِمَ حقَّ ربه عليه وعَدِمَ حقَّه هو عنده إلَّا بفضله (١)، وقد ضَلَّت الكفرة والمبتدعة عن هذه المسألة ضلالًا بَيِّنا، فأمَّا ضلال الكفرة فله مثالان:

الأوَّل: قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ [الكهف: ٣٢] إلى آخِرِ الآية، فهذا رَجُلٌ كَفَرَ بالله لأنه ادَّعى استحقاق النعمة، وهو (٢) جَهِلَ نفسَه ومنزلتها، وجهل ربَّه وما يجب له، أَلَا تنظر إلى قوله: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥)(٣)، كما قدَّمناه، فجهل الحقيقة الحِسِّيَّةَ، ثم قال: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾، فجَهِلَ الحقيقة الدلالية الثابتة بواضح البراهين، ثم جاء بالطامَّة بعد الطامَّة بقوله: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (٣٦)﴾، فاعتقد استحقاقه على رَبِّه أن لو كان له مرجع إليه الإكرامَ؛ بأفضل من تَيْنِك الجنَّتين، مع جهله به وإنكاره مَعَادَه إليه.

المثال الثاني: قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)[مريم: ٧٧، ٧٨]، نزلت في العاص بن وائل، قال خبَّاب: "كنتُ قَيْنًا في الجاهلية بمكَّة، فعَمِلْتُ للعاصي بن وائل السَّهْمِي سيفًا، فاجتمعت لي عنده دراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمُحَمَّدٍ، فقلت: لا، والله لا أكفر بمُحَمَّدٍ حتى


(١) في (ك) و (ص): بفضله، ومرَّضه في (د).
(٢) في (ب): ومن.
(٣) في النسخ: وما أظن.