للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفِرَاسَةُ نَحْوٌ منها، وهي: الاستدلال بالخَلْقِ على الأخلاق (١)، وهو عِلْمٌ عظيم تركه الناس، وقد يظهر من الصفات معنًى عُنْوَانًا، فيجعله لما وراءه بيانًا، ويترتَّب (٢) عليه من النظر تِبْيَانًا.

قرأتُ في الصخرة المقدَّسة المسمَّاة بالواقعة (٣) مع شيخنا أبي بكر محمد بن الوليد الصوفِي، قال بعضُ المفسرين- واختصرته وأوضحته-: "إن الله سبحانه قال في مُحْكَمِ كتابه: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: ٣٨]، فأثبتَ الله المماثلة بيننا وبين سائر البهائم، ومعلوم أنهم ما ماثلونا في عقول ولا في صُوَرٍ، وإنما ماثلونا في الأخلاق، فلا أَحد في الخلق إلَّا وفيه خُلُقٌ من البهائم، تختلف أخلاق الناس بحسب اختلاف أخلاق البهائم؛ فالغليظُ الطِّباع القَوِيُّ البدن المُفْرِطُ في الطغيان نَمِرٌ؛ والمتناولُ للأموال على وجه السرقة والأخد على الاختفاء فَأْرٌ؛ والمُتَبَسِّطُ على الأعراض كلب؛ والمخالف في كل حال، البائن بكل عمل -إذا قيل له: أَقْبِلْ، أَدْبَرَ، وإذا قيل له: أَدْبِرْ، أَقْبَلَ- حمارٌ؛ والطالب للعثرات ذُباب؛ فإنه يسقط من البدن على كل موضعِ قَرْحٍ منه مُمِدٍّ، ويجتنب الصحيح (٤)؛


(١) أحكام القرآن: (٣/ ١١٣١).
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): يرتب.
(٣) في (د): الواقعة.
(٤) بعده في (ك): قال، وضرب عليها في (د).