للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَ ابنُ العربي هذا وهو يشرح "كتاب العلم من الجامع" للترمذي، فدَلَّ ذلك على أن كثيرًا من الأحاديث الواردة في فضل العلم لا تصح، ولو أن هذا الغماري ذكر تلك الخمسين التي أشار إليها لتتبَّعناها بالنقد، لنرى ما يسلم له منها، وما لا يسلم، ويكفي أن يعلم هذا الغماري أن التصحيح والتعليل من مسائل الاجتهاد، يكفيه هذا، ويكفي ذلك كل عاقل.

قال الغماري: "ثم قال: وأمَّا العَقْلُ فليس فيه حَدِيث صَحِيح ولا حَسَنٌ، وقد قرأنا ببغداد "كتابَ العَقْلِ" لداود بن المُحَبَّر، جُزْءًا على القاضي أبي المُطَهَّر سعد بن عبد الله بن أبي الرجاء الأصفهاني، وكُلُّه أو أكثرُه آثارٌ عن النبي ليس لها أَصْلٌ، أَمْثَلُها - ولا مَثِيلَ فيها - حَدِيثٌ: "قيل له: أَقْبِلْ فأَقْبَلَ، وأَدْبِرْ فَأَدْبَرَ"، وهذا الجزء هو الذي أَخَلَّ بدَاوُدَ فحَطَّ مَرْتَبَتَه؛ فلم يُرْوَ عنه، وأَخُوهُ بَدَلٌ تَرَكَه، فخرَّج عنه البُخاري وغيرُه" (١).

ثم قال الغماري: "وفي هذا من أوهام هذا الرجل عجائب:

أوَّلها: أن بَدَلَ بن المُحَبَّرِ ليس بأخ لداود بن المحبر".

قلت: وهو كما قال، وأن يَسْرِي الوهم لاشتراك رجلين في اسم الأب ليس ببعيد عن العلماء - خصوصًا في راويين تقاربَ زمانهما -، وفيه صَنَّفَ الناس كتبهم، وهو علم المتفق والمفترق، وكذلك وقع للغماري، في خلطه بين أبي الليث السمرقندي الواعظ الشهير، وبين رجل آخر يروي من طريقه القاضي عياض في "الشفا" (٢)، فظنَّهما الغماري واحدًا، ولم يُفَرِّقْ بينهما، مع أن الأوَّل توفي عام ٣٧٥ هـ، والآخر توفي عام ٤٨٦ هـ،


(١) جؤنة العطار: (ص ٣٩)، وكلام ابن العربي في سراج المريدين: (٢/ ٤٣ - ٤٤).
(٢) تبيين البله للغماري: (ص ٣٢٠ - الكتانية).

<<  <  ج: ص:  >  >>