للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبين وفاتيهما مائة سنة أو يزيدون، ومع ذلك لم يضبط أمرهما، ولا عرف خبرهما، ولو كان هناك ثالث يقال له السمرقندي لأشركهما مع الاثنين، ولو كان هناك رابع وخامس، كذلك كان يفعل، كما فعل في الأوَّل، فأي الرجلين كان أفحش غلطًا وأكثر خطأً وأجدر بالتشهير؟

ثم قال الغماري: "ثانيها: قوله: إن هذا الجزء هو الذي أخلَّ بداود بن المحبَّر فحط من قدره، غَلَطٌ؛ فإن الذي حط من قدره كثرة موضوعاته التي كتاب العقل منها، بل لعله وضع من الأحاديث قدر كتاب العقل خمس مرات، على أن كتاب العقل وضعه ميسرة بن عبد ربه، فسرقه منه داود وركَّب له أسانيد أخرى" (١).

قلتُ: وهناك جملة أمور أذكرها تعليقًا على هذا التهويل:

أوَّلها: كل من ترجم لداود ذكر "كتاب العقل" الذي وضعه وركَّب أسانيده، وكون ابن العربي أخبر بهذا لا يستدعي كل هذا التهويل من هذا الغماري، وكلامه هنا لا يخرج عن المشاغبة والسفسطة، فما الذي أخطأ فيه ابن العربي بقوله: إن "كتاب العقل" حَطَّ من قدره، فما دام أن "كتاب العقل" كله موضوعات وأباطيل فما المستغرب في ذكر ابن العربي لذلك؟

ثانيها: كل من ترجم لداود من أهل الجرح والتعديل إنَّما ذكروا ما ذكر ابن العربي، فلِمَ ينكر عليه الغماري ما قاله وقرَّره أئمة التعليل؟

قال فيه الخطيب البغدادي: "حال داود ظاهرة في كونه غير ثقة، ولو لم يكن له غير وضعه "كتاب العقل" بأسره لكان دليلًا كافيًا على ما ذكرتُه" (٢).


(١) جؤنة العطار: (٢/ ٣٩).
(٢) تاريخ بغداد: (٩/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>