للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: ونَقْدُ كلام الغماري يكون من وجوه:

الأوَّل: ما ذكره من كونه ليس معه كتاب من كُتُبِ ابن العربي وأنه ينقل منه ما حضره اعتمادًا على حفظه كَذِبٌ مَحْضٌ، ودَعْوَى بَيِّنةُ الزَّيْفِ، وكَبِيرَةٌ من القول، فهو ينقل من "سراج المريدين" حرفًا حرفًا، وكلمةً كلمةً، ويصحف في النقل، ويُسْقِطُ من الحروف التي لا تسقط - عادةً - إلا أثناء النقل، إلا أن يدعي أنه يحفظ "سراج المريدين" عن ظهر قلب، وهذا لا يستطيع أن يدَّعيه أحد، إلا أن يدَّعيه له مجنون، ونحن - هنا - لا نُكَلِّمُ المجانين.

الثاني: وأمَّا عدد الأحاديث الواردة في الجنة ونعيمها فاقتصر ابنُ العربي على ما في "صحيح مسلم"، وهي كلها صحاح ملاح، وما نقله عن ابن العربي هنا هو عينه الذي ذكره في "العارضة"، قال: "وأحاديثها كثيرة، والصحيح قليل" (١)، ولم يفهم الغماري عن الإمام الحافظ أبي بكر بن العربي ، فابنُ العربي يفرق بين الصحاح والحسان، فالصحيح عنده ما كان مُتَّفَقًا عليه، أو كان مُخَرَّجًا في الصحيحين، والحسان ما كان دون ذلك، فهو هنا قال: ما صحَّ من الأحاديث في الجنة، ولم يقل: ما حَسُنَ.

الثالث: ولم يكتف ابنُ العربي بهذه الستة حتى أضاف إليها سِتًّا أخريات، وكلها من "الصحيح" لمسلم، فصارت العدة اثني عشر حديثًا، وظهر أن الغماري تعجَّل القراءة وتعجَّل النقد، أساء سمعًا فأساء إجابةً، وقد قلنا: إن عين الشانئ عين غرَّارة، تريه ما لا يكون، وتأخذ به إلى أودية الجنون.


(١) العارضة: (٩/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>