الروايات طعن الناسُ في مراتب الأنبياء، وتقوَّلوا عليهم، وقد عُلم الوعيد الشديد فيمن يتعمَّد الكذب على رسول الله ﷺ، ووقع النكير على من يروي الضعاف والأباطيل من لدن العلماء، ولهذا ألَّفوا الصحيح ودوَّنوه، ولكن هذا الغماري لا طاقة له بالصحيح، ولا معرفة له به، ولجريانه في كتبه على نَمَطِ من مضى من القمَّاشين يريد أن يجعل صيحة ابن العربي ودعوته من قَبِيل الجهل وقلة الاطلاع، ليؤكد لشِيعَتِه أنه هو الحافظ الذي لا يُجَارَى، وأنه ينقد كلام ابن العربي ويعبث به، أراد ليقال، فقد قيل.
وقد علم الناس أن القواعد في أصلها أغلبية، وأن المقصود منها ذكر الأعم المنتشر، وما شذَّ عنها من الأفراد فحصره ممتنع، بل إن تلك الأفراد هي التي تؤكد القاعدة وتجعلها مُعْمَلَةً مُسَلَّمَةً.
ولو كان هذا الغماري جادًّا في نقده لأورد ما صحَّ من تلك الأحاديث التي نفى صحتها ابنُ العربي، ولكنه لا قدرة له على ذلك، والنقد كما يفعله الغماري من أسهل شيء على الطالب، ومن أرجى شيء عند الحاسد؛ لأنه لا يُكَلّفه شيئًا أكثر من معاكسة قول المنقود، هذا هو حقيقة الحال، ولو سرد الغماري ما ينقض دعوى ابن العربي لتتبَّعنا له تلك الأحاديث، ولنقدناها نقدًا، فما سلم منها من المعايب سلَّمنا له به، وما لا، فلا، وهكذا هو العلم، فأي الناس أقل اطلاعًا؛ هل هو الناقد الناقم بغير عُدَّةٍ ولا آلة؟ أم الذي نظر وروى وسمع ورحل ثم قال للناس فائدة كل ذلك؛ رحلةً، وسماعًا، وروايةً، ونظرًا، ساق لهم علمًا من غير كلفة ولا تكلفة.