للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهم وبمصالحهم، فيلجؤون إلى تهييج العامة، وإشاعة الشحناء؛ ليتأتَّى لهم التخلص من هذا القاضي العفيف القوَّام بالحق؛ حيلة تحيَّلها الأقدمون، وما زال الناس على سيرتهم إذا أزعجهم قيامُ أهل الحق بما أوجب الله عليهم، سيرة مرويَّة، وقضية مقضيَّة.

وسيرةُ ابن العربي في القضاء أَمْرٌ اتَّفقت عليه كلمة أهل الإسلام؛ من العلماء والفقهاء والمؤرخين، فقالوا -أجمعين-: "قام بأمر القضاء أحمد قيام؛ مع الصرامة في الحق، والقوة والشدة على الظالمين، والرفق بالمساكين" (١).

قال أبو محمَّد الأَشِيرِي في ولاية ابن العربي القضاء: "وَلِيَ القضاء ببلده إشبيلية، وأقام فيها العدل، حتى حسده من كان مساعدًا، ونابذه من كان معاندًا، ثم امتُحِنَ فصَبَرَ صَبْرَ أُولِي العزم، حتى انجلتْ محنتُه عن دِينٍ تَقِيٍّ، وعِرْضٍ نَقِيٍّ" (٢).

وكانت شدته معلومة، وغضبته مرهوبة؛ لما عُلِمَ عنه من هذا القيام بالحق، والأخذ بالتعزير، وعدم الرفق بأهل الجناية والعماية، حتى قال ابن العربي في ذلك: "وقد كنتُ أيام الحكم بين الناس أَضْرِبُ وأَحْلِقُ، وإنما كنت أفعل ذلك بمن يربي شعره عونًا على المعصية، وطريقًا إلى التجمل به في الفسوق" (٣).


(١) نفح الطيب: (٢/ ٢٩)، والصلة: (٢/ ٢٢٨)، ووفيات الأعيان: (٤/ ٢٩٧)، وسير النبلاء: (٢٠/ ٢٠١)، والوافي بالوفيات: (٣/ ٢٦٦)، والتعريف بالرجال المذكورين بجامع الأمهات لابن الحاجب: (ص ٢٥٦).
(٢) المقدمة الدراسية لكتاب المتوسط في الاعتقاد: (ص ٢٠).
(٣) أحكام القرآن: (٣/ ١٠٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>