للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ حجر في موضع آخر من كُتُبِه: "لقد أطلتُ في الكلام على هذا الحديث، وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ، والإرشاد إلى عدم الطعن والرد بغير اطلاع" (١).

وعلى طريقته كان الحافظ السيوطي، فقال: "قال الحافظ ابن حجر: فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك عن الزهري عن أنس، قال: فكيف يحل لأحد أن يتهم إمامًا من أئمة المسلمين بغير علم ولا اطلاع؟ قلتُ: لقد تسليتُ بهذا الذي اتفق للقاضي أبي بكر بن العربي -الذي كان مجتهد وقته، وحافظ عصره- عمَّا أقاسيه من أهل عصري، عند ذكري لهم ما لا اطلاع لهم عليه من الفوائد؛ من سوء أدبهم، وإطلاق ألسنتهم، وحسدهم، وأذاهم، وبَغْيِهم" (٢).

وكان هؤلاء الحسدة لا يفترون عن إلحاق الأذى بابن العربي، فيهتبلون الفرص ليقولوا قولتهم، ويميلوا ميلتهم، وقد ذكر ابنُ العربي من ذلك في هذا "السراج" بعضًا ممَّا ينبه على الكل، قال : "كنتُ لَبِسْتُ بُرْنُسًا أحمر سنة خمسمائة، وحضرنا مجلسًا للأقضية وفيها بعض المُفْتِين، فقال لمَّا خرجنا منها: "من لَبِسَ بُرْنُسًا أحمرَ لم تَجُزْ شهادتُه" (٣).

قلتُ: وما الذي يدعو القائل إلى مثل هذا؟ وقد كان له في السكوت والتعفف مندوحةٌ لو عرف قدرها، ولكن الحسد يَجُرُّ صاحبه إلى ما لا ينبغي، بل إلى ما يُوقِعُه في شر أعماله وسيِّء أفعاله، قال ابنُ العربي مُعَقِّبًا


(١) النكت على ابن الصلاح: (٢/ ٦٦٩).
(٢) تنوير الحوالك: (١/ ٣٧٠).
(٣) سراج المريدين: (١/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>