للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان ابنُ العربي قد خالف في ذلك، ورَضِيَ قَوْلًا آخر (١)، حَمْلًا للنفس على العزيمة، وأداءً لحق هذه الفريضة، التي كادت الرخصة أن تُعَفِّي آثارها.

وقال ابنُ العربي مُتَحَدِّثًا عن دعواته الثلاث؛ التي سأل الله إيَّاها وهو يتضلَّع من ماء زمزم المبارك: "وقد كنت بمكَّة في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فكنت أَبِيتُ بين المقام وزمزم وأعتكفُ فيه، وأَتَذَكَّرُ قَوْلَ النبي : "ماءُ زمزم لِمَا شُرِبَ له" (٢)، فكنتُ أَشْرَبُه بنِيَّةِ العِلْمِ آناء الليل والنهار، فوَهَبَنِي الله ما شاء، ولم أشربه بنية العمل، ودعوتُ الله بالملتزم ثلاث دعوات، فَرَأَيْتُ الاثنتين وبَقِيَتِ الواحدة، والله يَمُنُّ بها عليَّ، فهي العُمْدَةُ.

فكانت الأولى: أن يجعلني من العلماء، حتى لا يتكلم أَحَدٌ بشيء مِنْ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ، إن كان حقًّا إلَّا عَلِمْتُه، وإن كان باطلًا إلَّا قَدَرْتُ عليه؛ إثباتًا للأوَّل، ونَفْيًا للثاني، فآتاني الله ذلك.

وآتاني الثانية، وبقيت الثالثة.


(١) سراج المريدين: (٢/ ٣٨٤).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند عن جابر عنه: (٢٣/ ١٤٠)، رقم: (١٤٨٤٩ - شعيب)، وابنُ العربي في العارضة عن ابن عباس : (٤/ ٢٣٣)، قال ابن حجر: "رجاله مُوَثَّقون، إلا أنه اختُلف في إرساله ووصله، وإرسالُه أصح"، الفتح: (٣/ ٤٩٣)، وذكر السخاوي أن ممَّن صحَّحه ابن عُيَينة والدِّمْياطي والمنذري، المقاصد الحسنة: (٣٥٧)، وضعَّفه ابنُ القطان الفاسي، ينظر: بيان الوهم: (٣/ ٤٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>