وقد عاينتَ شكوى الإمام الحافظ من أولئك الذين قعدوا له في كل طريق، وعرَّجوا على أذيَّته، وجعلوه غرضًا، ما نقموا منه إلا عِلْمَه واتِّساعه فيه، وحِفْظَه واستبحاره، وتلك سيرتُهم التي ألقاها إليهم حَسَدُهم؛ كلما جاء عالم من المشرق دفعوا في صدره؛ سُنَّتُهم التي ساروا عليها؛ من أيَّام الحافظ الإمام أبي عبد الرحمن بَقِيِّ بن مَخْلَدٍ القرطبي، وكذلك كان أمرهم مع الإمام الحجَّة أبي الوليد الباجي، ثم مع إمام الأئمة وزين المِلَّةِ مولانا أبي بكر القاضي.
فإن لم تكن مرتضيًا مقالتنا، فنُذَكِّرُك بهجِّيرَى الإمام، وقد ملأ كتبه بالشَّكوى من أوابدهم، والصدع بفواقرهم؛ لما قاسى معهم من صُنُوفِ التهمة وشُكُولِها.
ولو أَخْلَى القاضي منهم كُتُبه لأخليناهم، ولو سكتَ عنهم لسكتنا عنهم، وأنت- أيها المريد- تعرفُ طريقتنا، وتُدرك سيرتنا، وتستيقن طويَّتنا، فإنَّا على طريقته عوَّلنا، وعلى أثره سِرْنَا، فافهم عنَّا ولا تعترضنَا.
وذكرتَ لنا أنَّ مَنْ قِبَلك من المتزهدة قد شُغِفُوا بكُتُبٍ ملأها أصحابُها بكل ضعيف لا يَحِل، وساقط يُخِل، وتَطويل يُمِل.
وقلتَ: إن بعض أولئك المُتَقَفِّرَة، وبعض أُولاك المُتَفَقِّرَة، قد راموا ما لا يكون، وأَشَفُّوا على أودية الجنون، وإنك رجوتَ من سؤالك لنا أن يكون لك في الجواب عنهم مقنع ودلالة.
قلنا: وكأنك تَذْكُرُ "سراج المريدين"؛ فذاك لَفْظُه، وتلك إشارته، أو لكأنك وقفتَ على من عنه نَقَلَ؟