ونعم؛ أي رجل أنت في تمهيدك وحُسن سياقتك، طوَّفت بنا لتبلغ هذا المبلغ، وتصعد إلى هذا المرتقى؛ وإن كان صعبًا، فمثلك ممَّن يُطِيقُه ولا يستصعبه.
وذلك أن الإمام الحافظ قد ذَكَرَ في تقدمته لكتاب "السراج" ما ذكرتَ عنه، في نَقْدِه لجِنْسِ المتزهدة والمتصوفة، وكان في ذِكْرِه ذاك قاصدًا إلى التمهيد لعِلْمِ التذكير، الذي سنح خاطرُ خير في التعريج عليه، والعطف إليه، وقَصَدَ إلى استصلاحه ممَّا لحقه من الآفات، ودخله من المُستفاآت، دالًّا الناس على معاقده ومقاصده، مع نَظْمِ الأسماء والصفات، وابتنائها على المقامات، وقد جَمَعَ شتاتها، ونَظَمَ أسلاكها؛ بعد أن كانت الطرائق فيها مشتركة، والمآخذ فيها مشتبكة.
ثم كان من حديثنا وحديث الزمان الدلالةُ على محاسن هذا "السراج"، والإشارة إلى مزاينه، والاحتفاء به عند خاصَّة أهل العلم والفهم، ممَّن راضوا طريقة الأحبار، وساروا سيْر الربَّانيِّين الأبرار.
ومن هذه المحاسن التي احتوى عليها: حُسْنُ التأليف، وجودة النَّظْمِ، وبراعة الاستهلال، وحسن التخلص والانفصال، وإحكام صنعة الكلام، وإتقانُ معاقد التصنيف.